ahmedlada@gmx.net
طرق آمر مفرزة (اوك) التي قدمت لإستقبال الجريح و كان مسؤول حماية مقرات اوك في نوزنك، طرق الباب بهدوء طالباً السماح بالحديث معي ان امكن، استجبت لطلبه و انا في حيرة و قلق لعدم كفاية ادويتنا و لحاجة الجريح الماسة للدم و هو في وضع صحي متدهور و حياته مهددة بالخطر، و لهبوط الظلام في طبابتنا الذي بدأ يشلّنا . .
اخبرته بما يجري و بصعوبة المواصلة في انقاذه لكل الاسباب آنفة الذكر . . اقترح عليّ ان ينقلوا الجريح الى طبابة اوك، لتوفر ادوية و اجهزة علاج الجرحى بكمية وافرة و هي متراكمة لضعف الخبرة باستخدامها كما اخبره مكتبهم العسكري، و لوجود مولدة كهرباء و مصطبة للعلاج هناك، و طلب مني برجاء ان ارافق الجريح الى هناك لنقص خبرة اطبائهم المتواجدين، على حد قوله.
وافقت فوراً و اخبرت آمر موقعنا الشهيد علي حاجي نادر بالامر فجهّز حماية للمرافقة مع مساعدينا د. رنجبه ر و د. رشيد، في وقت اعددت فيه حقيبتي الطبية الجراحية و السيت الجراحي الميداني الذي اكملته بما كان يصل الينا من غنائم و تبرعات .
اتوا بحيوان نقل هادئ لنقله، و كانت الصعوبة بحمله مع المغذيات و تثبيته على ظهر الحيوان بهيئة جالس فعلاً للحفاظ عليه من الاختناق بدمه و سوائله المتجمعة في الرئة، بعد التأكد من جديد ان لاهواء او قليل منه يخرج من الجرح الكبير بواسطة قطعة القطن الخفيفة، اضافة الى الحفاظ على الجلطة الكبيرة.
بعد حدود ساعة، وصلنا طبابة اوك بتلك المسيرة البطيئة و الحذرة من عودة تدفق النزيف مجدداً بسبب حركة جسم الجريح اللاارادية على ظهر الحيوان . . وصلنا و مررنا بحشد كبير من البيشمركة و مسؤولي اوك آنذاك الذين تعاونوا على حمله و ادخاله الى الطبابة هناك .
كانت طبابة غنية بانواع الادوية و الاجهزة الميدانية الضرورية، و وقف الثلاثة اطباءً و مساعدين هناك رهن الاشارة، حين طلبت منهم الادوية و الادوات و الاجهزة الميدانية الضرورية، و اعدّوا اغلبها، و قاموا بتنظيف و تعقيم الغرفة المضاءة بواسطة مولد الكهرباء هناك، و اجلاس الجريح بهيئة الجالس كما مرّ، على منضدة قاموا بتنظيفها و تعقيمها و ختمتُ ذلك بتعقيمها باليود الذي كان متوفراً بكمية جيدة . .
و بعد التأكد من اوضاع بلازما الدم و المغذيات التي زرقت بها : مسكنات قوية، انتي بايوتك من البنسلين البلوري الفوري بجرعة عالية، الكورتيزون من النوع المناسب، قاطع نزيف، الفيتامينات المناسبة، امينوفيللين لإنعاش الرئتين، اضافة الى كالسيوم كلوكونايت للوقاية من اي نوع من الحساسية.
ثم استطعت نقل دم له بادوات تحديد فصيلة الدم المتوفرة هناك، حيث باشرت بالنقل فورا، حتى خرجت حالة الجريح من خطر التهديد بالموت و صارت مقبولة للبدء بالمباشرة . . من ضغط و نبض و انتعاش الرئتين المقبول، بدأت بتعقيم منطقة الاصابة باليود الخاص، زرقت المنطقة المحيطة بالمخدر الموضعي، و كنا كلنا بكمامات . . مع التأكيد على ان الأهم هو خلق جو حتى في الحد الادنى من التعقيم، بان لا يحتشد عدد كبير من الافراد المتواجدين في الغرفة . .
و بمساعدة مساعديّ د. رنجبه ر و د. رشيد بدأت باخراج باقي الشظايا المحيطة بالجرح الرئيسي للتأكد بأن جروحها لاتسبب نزيفاً جانبياً، و باستمرار متابعة التأكد من عدم زيادة خروج الهواء من الصدر من خلال الخثرة، بواسطة القطنة كما مرّ خوفاً من النيموثوراكس pneumothorax و هو تجمّع الهواء المتزايد في غشاء الجنب الذي يضغط على الرئتين من الداخل و الذي قد يكون دموياً haemopneumothorax .
و بحذر و قلق مددت اصبعي بهدوء و بطء في الجلطة الدموية الكبيرة و كنت البس الكفوف الجراحية المعقمة، لمحاولة معرفة ماذا هناك باللمس لعدم توفر الفحص الشعاعي، فتلمّست مقذوفاً كبيراً منتظم الاستدارة مستقراً ثابتاً في العمود الفقري او في قواعد الاضلاع السفلى، و قدّرت ان اخراجه قد يتسبب بنزيف قاتل في ظل ظروفنا و امكاناتنا الطبية المحدودة تلك، و ان المقذوف لايمكن اخراجه الا في مستشفى متقدم لديه اجهزة متطورة للطوارئ و بوجود جرّاحين متخصصين للصدر و للاصابات، مستشفى يوفر كل الاحتياطات لمواجهة النزيف اذا انفلت.
اغلقت الجرح بلفافة شاش مؤقتة كبيرة ريثما اعرض حالة الجريح و اصل الى حل لكيفية التصرف مع المسؤلين هناك الذين كانوا ينتظرون خارجاً، منهم اعضاء قيادة اوك : ملازم عمر ، ملا بختيار، سيد كريم على ما اتذكّر، و توصّلت معهم الى ان الاهم آنذاك هو انقاذ حياة الجريح في نوزنك و قد نجحنا به . . ثم تهيئته في حالة بذل الجهود لجعل حالته تسمح بنقله الى مستشفى سردشت التي تبعد بحدود 6 ساعات من نوزنك و انه سيُنقل من هناك بمروحية طوارئ الى المستشفى التخصصي في طهران . . باتفاق كان معمولا به بين اوك و الجهات الايرانية، كما فهمت.
بعد اغلاقي الممكن للجرح الكبير و تثبيته و وضع صوندة صغيرة تساعد على خروج المواد و السوائل القيحية و تثبيتها drainage ، و بعد ساعات من التطبيب، و التأكد من استقرار حالته و استجابته و تواصله بالحديث . . اخبرت اطبائهم و مسؤوليهم بتوصياتي للنقل السريع للجريح في منطقة آمنة نسبياً آنذاك، و ان عليّ ان اعود الى طبابتنا في زلي، و انه حتى البدء بالنقل انا مستعد للمجئ في حالة حصول اي طارئ.
و سمعت بعدئذ اخباراً طيبة عنه و انه نقل الى اوروبا و تعالج و تعافى هناك، و قد حاولت الاتصال به ساعة كتابة هذا المقال و لم افلح للاسف . . ومع اجمل تحياتي و اخلص امنياتي بالصحة و المسرة للمناضل عمر سيد علي، لابد ان اقول باني الآن انا الجريح المخطور بالكيمياوي جرّاء جهودي في معالجة مصابي الكيمياوي من بيشمركة و ابناء قرى دولي باليسان و تماسيّ بهم، و واثق من الاستجابة لحاجتي الضرورية من قبل الرئيس مسعود البارزاني و من حكومة اقليم كردستان، لطبيب عراقي ناضل بكل جهوده في جبال كردستان و وديانها، و عالج بلا مقابل البيشمركة الابطال من كل القوى و انقذ حياة المئات منهم و الالاف من اهالي قرى كردستان، من اجل القضية العادلة للشعب الكردي، و الآن هو الجريح المخطور و يعيش حياة الكفاف و هو في السبعين . .
اسمي " د. صادق " ، ناضلت طيلة سنوات عشر و عالجت جرحى البيشمركايتي، و يعرفني الألوف من بيشمركة و مسؤولي كل القوى الكردستانية و ابناء القرى، و قد حُرمت من مواصلة تقدّمي الطبي في اوروبا و من الممارسة الطبيعية للمهنة، بسبب مهاجمة افراد مخابرات صدام لدار اهلي و حرق اوراقي الثبوتية و الطبية (*)، و اعتقال اهلي جميعاً و تسببوا باستشهاد شقيقتي و صديقتي الشهيدة شذى البراك التي ضاعت في اقبية التعذيب الصدامية . . (انتهى)
10 / 4 / 2019 ، مهند البراك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) اضافة الى التي احترقت في الانفال . . و التي استطعت فقط بعد سقوط الدكتاتورية استخراج جديدة منها بعد رفضي لإغراءات رجال سلطة صدام . . بعد ان مرّ العمر و لم تعد تنفع للتطور العلمي الطبي.