بعد تعرض آلاف الدونمات من مزارع الحنطة والشعير في مناطق تكاد تغطي مساحة كامل التراب الوطني العراقي, تصاعدت الأتهامات لجهات متعددة بتدبير هذه الحرائق, لأسباب ارهابية او خيانية او انفصالية او مافيوية بحتة.
فقد وجه الأتهام, مرة, الى الدواعش الذين رسالتهم المعهودة التدمير والقتل, والى ميليشيات في الحشد خدمة لمصالح ايران الأقتصادية والى البيشمركة الكردية, خصوصاً في مناطق كركوك و المختلف عليها لأنتزاعها مرة اخرى لسلطتهم. ولسياسيين من المتاجرين بقوت الشعب ( مافيا ), مرة اخرى, لا بل حتى أتهم الفلاح ظلماً بحرق محاصيله.
الجميع يعرف ان الحنطة والشعير من المواد الأستراتيجية في اقتصاديات بلدان العالم كافة, المتقدمة منها والمتخلفة, وتحسب الحكومات حساب توفيرها كأولوية, حيث لا يمكن الأستغناء عنهما كمادة غذاء أساسية يحتاجها كل انسان ( الخبز أولاً ), وهما عماد الأمن الغذائي لكل شعب.
ورغم ذلك فأننا نتابع سوء التدبير الحكومي في معالجة المشكلة جذرياً. فقد انحصر الدور الحكومي, من خلال تصريحات مسؤوليها, في التقليل من شأن مخاطر هذه الحرائق والتهوين من تأثيراتها, بالتأكيد على محدودية جغرافيتها وكميات المحاصيل التي التهمتها, او النجاح في اخماد حرائق في مزارع اخرى.
ان الأكتفاء بالأعلانات والتبريرات لايحل المشكلة, وانما الحل يكون بالكشف عن المخربين الحقيقيين, بعد إكمال الجهات المختصة التحقيقات المطلوبة وتسليمهم الى القضاء لنيل عقابهم الصارم.
لكن يبدو بأن الجهات المعنية تعرف مشعلي الحرائق الكبار وتكتمهم علينا, كما تعودنا, عندما تعلق الأمر بالمسؤولين عن تسليم الموصل ومحافظات اخرى والأيزيديين وغيرهم من أثنيات عراقية الى ايدي الدواعش او في جريمة سبايكر وفساد صفقات السلاح وتهريب النفط والمخدرات واستيراد المواد الغذائية المنتهية الصلاحية لتسميم العراقيين بعد تسميم مياه دجلة لتنفق الأطنان من اسماكه بين ليلة وضحاها, وغيرها كثير مما تعجز الذاكرة عن ملاحقتها وتسطيرها... والأمر في النهاية سواء, سواء ادرجناها ام لا, فيكفي لو قامت الجهات المعنية والقضائية بالخصوص بفضح المرتكبين الحقيقيين لأية جريمة من المذكورة أعلاه لأنفرطت سلسلة المتحاصصين بأجمعها.
طبعاً من السهل على سياسي متنفذ او مسؤول حكومي ان يعلق إضرام هذه الحرائق بجيد ارهابيي الدولة الأسلامية الدواعش " بحبلٍ من مسد " و" كفى الله المؤمنين شر القتال ".
لكن ألا يعني ذلك فشلاً مدويّاً لكل الطبقة السياسية الحاكمة منذ 2003, وبعد مرورخمس سنوات من الذكرى المأساوية لسيطرة ارهابيو الدولة الأسلامية على الموصل, وبعد تقديم الآلاف من المقاتلين والمدنيين شهداء لتحريرها, ثم نشهد اعلانهم الرسمي بعودتها بزخم قادر على تهديد الكيان العراقي في مقتل من خلال حرمانه من مصدر اساسي لغذاءه وتهديد أمنه الغذائي ؟!
بهذه الحالة ستكون السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية, ثم قيادات الأحزاب الحاكمة طوال ستة عشر عاماً, هم اللاعبين الأساسيين بالنار بسكوتهم عن الجناة !!!
هكذا على الهامش, لا استطيع هضم إتهامات البعض للفلاحين بحرق محاصيلهم لغرض الحصول على تعويض, لأن الفلاح الذي حرث وبذر وسقى وسمّد وكافح آفات الزرع وامراضه وفرح بأول نبتها وراقب نموّها, وانتظر بشوق موعد حصدها, لايمكنه ببساطة الأتيان بهذا الفعل المؤلم له... لاسيما ونحن نعرف المعاناة التي يمكن ان يكابدها مع الروتين الحكومي والبيروقراطية والفساد الأداري والمالي في تحصيل التعويض المنشود, مما يجعل من عملية الحرق غير ذي فائدة, ولا تعود بربح مادي مجزي له... لكن قد يقدم على هذه الفعلة الدنيئة اصحاب الأقطاعيات الواسعة من الأقطاع المتبرجز الذي لايهمه ملأ بطون الجوعى غذاءاً بل ملأ جيوبه أرباحاً.