عن قصد مسبق وإصرار حصل قتل عمد، وأشار الى وقوعه بيان صادر من مكتب رئيس الوزراء، فيه الكثير من الوعيد والتهديد بعقوبات وسجن، ظن العراقيون انه بعد 2003 تم تجاوز مثل هذه العقلية من التعامل مع مواطنين يتظاهرون سلمياً لانتزاع حقوق صادرها المتنفذون، ويصرون على ذلك بالاستناد الى القوة القمعية لمن اخذوا القانون بأيديهم منذ ان امتشقوا السلاح خارج اطر المؤسسات الحكومية المعنية.
نعم، حصل قتل عمد، فمن قام بذلك؟ هل قتل المتظاهرون انفسهم بأنفسهم؟ حتى تجاوز عدد الضحايا حتى الآن 300 شهيد و 15 الف مصاب؟!
لم يقل لنا رئيس الوزراء ومكتبه والناطقون باسمه و"وعاظ السلاطين" الملتفون من حوله، ما هوية القناص الذي قتل المتظاهرين، وهو ما أشار له تقرير اللجنة الحكومية الذي صيغ بطريقة تبعد المسؤولية عن من اصدر الأوامر بالقتل وسفك دماء المتظاهرين السلميين.
ويبدو ان من يلتفون حول رئيس الوزراء لا ينقلون اليه ما صرحت به شرطة كربلاء يوم امس الأول من ان "جهات مجهولة قد أحرقت الخيام"، ما ذكّر الكربلائيين وعموم العراقيين بمشهد حرق خيم الامام الحسين الشهيد.
وألم يقل قائد عمليات البصرة يوم امس الأول ان سيارات مجهولة قامت باطلاق النار على المتظاهرين في البصرة؟!
هل سمع القائد العام للقوات المسلحة بتلك التصريحات؟ ام انه ما زال يعيش مع "نظرية المؤامرة" التي تسعى جهات عدة لتسويقها حفاظاً على مصالحهم ونفوذهم، ومنها جهات عراقية وإقليمية، ام انه أسير من يقول له بأن هناك "مندسين" يوجهون حركة الاحتجاج؟
وهنا نقتبس من قائد عمليات بغداد اللواء قاسم المحمداوي ما ذكره في مقابلات مع فضائيات عدة خلال اليومين الماضيين قائلاً ان "المندسين لا تتجاوز نسبتهم الـ 1 في المائة". والاستنتاج من هذا القول انهم معروفون لهذه الجهات. فلماذا يتركون هؤلاء طلقاء ليحرفوا التظاهرات السلمية عن مساراتها كما يقال؟ قوموا بواجبكم قبل القاء المسؤولية على الآخرين في حماية المتظاهرين! فهذا من صميم واجبكم ومسؤولياتكم ولا تجعلوا من ذلك مبرراً وذريعة للبطش المتواصل والحاق الأذى المستمر بالمتظاهرين السلميين. فإن كان هناك مندسون فواجبكم انتم مواجهتهم والقبض عليهم وليس غيركم.
وأمر آخر نتوجه به الى رئيس الوزراء ومن حوله والناطقين باسمه، ونسألهم: من يقوم باعتقال الناشطين واختطافهم وملاحقتهم؟ أهي الأجهزة الأمنية وهل هناك أوامر قضائية ام ان ملثمين في سيارات مدنية يحملون الأسلحة والمسدسات كما أظهرت الفيديوات على مواقع التواصل الاجتماعي، هم من يقوم بذلك وانتم تتفرجون او انكم موافقون ضمنياً على ذلك؟
هذا ما يضعف هيبة الدولة والقانون، وليس التظاهر السلمي. وهذا ما يقلق المواطنين المطالبين بحقوقهم، ويزيد غضبهم بجانب استمرار القتل حتى بعد صدور تقريركم الحكومي البائس. واذا اتفقنا مع احدهم بأن ذلك التقرير كان إداريا فمتى يقول القضاء كلمته؟ ومن المسؤول عن استمرار القتل بعد 25 تشرين الأول وحتى اليوم؟ وهذا ما حصل ويحصل في بغداد وكربلاء والبصرة والناصرية والديوانية والعمارة والكوت وغيرها، وما زال يستخدم فيه الرصاص الحي رغم الإعلانات المتكررة عن منع ذلك، بل وصل الامر الى اعتقال من يرفع العلم العراقي!
ولأن هذا العمود لا يتسع لكل شيء، نقول: متى يتوقف هذا القتل العمد من جانب أجهزة ومسلحين معروفين جيداً للمواطنين، وهذه الملاحقات والمطاردات وعمليات الاختطاف؟
وهل هذا هو الثمن الغالي الذي يتوجب ان يدفعه العراقيون لكسر "حالة الجمود" كما اسماها الناطق الإعلامي باسم رئيس الوزراء؟
ونذكّر، وعسى ان تنفع الذكرى اخيراً، بأن إرادة الشعوب اقوى من القتل والسجن والمطاردة والحرمان من لقمة العيش!
الا يتذكر المتنفذون ما فعله الطغاة الذين ابتلي بهم بلدنا عبر تاريخه، وأين هم الآن؟!