دخلت انتفاضة شعبنا أسبوعها العاشر وهي تزداد عنفوانا وإصرارا على تحقيق الأهداف ، وما زال شبابها يجترحون المآثر والبطولات، وهم سائرون على خطى شهداء الشعب الذين قدموا ارواحهم فداء لانتصار قيم الحرية والديمقراطية والعدالة .
ويخطيء من يتصور ان ما يحصل اليوم مقطوع الجذور، ولا علاقة له بما سبقه وما راكمه الحراك الاحتجاجي منذ ٢٠١١. فهو من انتزع من السلطات حق التظاهر وفرضه عليها، ومزق القيود ومحاولات تأطيره ووضعه تحت طلب هذا او ذاك .
وهو ايضا ليس بمعزل عن دور الأحزاب والشخصيات الوطنية، التي كشفت في وقت مبكر طبيعة نظام المحاصصة والفساد، وحذرت من انه نظام لن يتمكن من احتواء أزمة حتى تندلع أخرى، فهو ولّاد للأزمات. واكدت ان لا استقرار ولا ديمقراطية حقة ولا تنمية وممارسة لحقوق الانسان وفقا للمعايير الدولية، اذا ما استمر التشبث بهذا النظام من قبل الكتل والأحزاب المصرة على منهجه الفاشل في إدارة الدولة. لذا فهي المعنية قبل غيرها، ومن الطبيعي ان توجه أصابع الاتهام اليها فيما حصل ويحصل اليوم في بلدنا .
ان من يتحمل المسؤولية عما آلت اليه اوضاع بلدنا هو، من دون لف ودوران وتضليل وتدليس ، من كان بيده القرار منذ سنة 2005 حتى اليوم. ومعروفة هي الكتل والأفراد الذين فرضوا، لهذا السبب او ذاك، الهيمنة على القرار. وتطال المسؤولية أيضا من دعم هذه القوى وساندها ووقف الى جانبها وقدم لها أطواق النجاة طيلة هذه المدة الطويلة،التي تجاوزت ١٦ عاما. ولا تنفع هنا محاولات خلط الأوراق الجارية على قدم وساق.
لقد جاءت انتفاضة الشباب اليوم بعد ان طفح الكيل ونفد الصبر وضاقت الصدور، ولَم يعد الامر مقتصرا على الأسباب الداخلية ، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بل تخطى ذلك الى التفريط بالقرار الوطني العراقي المستقل، والتماهي مع مصالح هذه الدولة او تلك على حساب مصالح الوطن والشعب العليا. ولذا جاء رد المنتفضين الشباب واضحا وصريحا وشاملا، جسده شعارهم : نريد وطن.
عليه لم يعد ينفع الآن هذا "الكرم الحاتمي" المفاجيء للسلطتين التنفيذية والتشريعية، وهما تهرولان تحت ضغط الانتفاضة المتصاعدة في مسعى لفعل شيء ما ، لكنهما تأخرت كثيرا كثيرا !
ثم انهما ما زالتا تتهربان من الإقرار بمسؤوليتهما عما حصل ويحصل من سفك للدماء وقتل عمد منذ ٢٠١١ على الأقل، وحتى يوم امس حين خرّ عدد آخر من الشهداء، وروّى بدمه الطاهر ارض الوطن كي تنتصر اهداف الانتفاضة كاملة غير منقوصة.
انكم انتم، أيها الحكام المتنفذون، من يتحمل المسؤولية الأولى والأساسية، وشعبنا صار يعرف الحقيقة بعد ان عرَّت الانتفاضة تماما عورات من تسنموا مسؤولية القرار، ومن فرّطوا وساوموا على مصالحه ، واغتنوا على حساب فقر الملايين وجوعهم، وجُلّهم من الشباب المنتفض الآن .
ان على الحكام ادراك حقيقة ان الشباب عازم على انتزاع حقوقه، ولن ينفع العنف والخطف والاعتقال والتسويف والمماطلة او إغداق الوعود، كذلك الافتراء وتزوير الوقائع واختلاق الذرائع وتجنيد "الجيوش الالكترونية" ورشوة هذه الفئة او تلك، فهذه الأساليب وغيرها غدت مكشوفة المرامي، ولن تفت في عضد المنتفضين.
فمن يتجرأ الآن ويرتكب جريمة المساومة على دماء ما يقرب من ٣٥٠ شهيدا واكثر من ١٧ الف مصاب ،بينهم الاف من المعوقين ! فالمساومة هنا لا تعني الا المشاركة في الجريمة ذاتها !
والشباب المنتفضون ومن ورائهم الملايين، صمموا على استرجاع الوطن، ولا مخرج الا بالاستجابة الى مطالبهم بما يضمن تدشين مرحلة جديدة مختلفة تماما.
هل نحتاج الى التذكير بمصير الطغاة وقاتلي شعوبهم ؟! فمتى يدرك الحكام ان المنتفضين لن يخسروا الا بؤسهم!