مع تنامي جبروت انتفاضة تشرين اول / اكتوبر الشعبية المجيدة في العراق, وبعد ان جربت احزاب السلطة واجهزتها القمعية كل ما في جعبتها من وسائل قمع وقتل, بواسطة القناصين والرصاص الحي والمطاطي والاغتيال, ثم الماء الحار والقنابل الحارقة والمسيلة للدموع السامة, وحملات التسقيط الاعلامية المغرضة ومحاولات تشويهها اخلاقياً او رميها بالعمالة لجهة خارجية... وبعد ان أعيت بطولات المنتفضين ووعيهم وايثارهم وتضامن الشعب معهم, سيدهم الاجنبي المتمرس بقمع شعبه, فأسقط في يدهم, لذا لجأوا الى ملجأهم الأخير الا وهو محاولة حرمان الانتفاضة من رأسها المدبر وقيادتها ذات الجهادية العالية.
لكن اجهزة السلطة القمعية واجهت معضلة حقيقية في معرفة رأس الانتفاضة ليمكن تصفيته, والتخلص من وجع الرأس مرة واحدة.
ولأن الانتفاضة شعبية بامتياز وعفوية بالتمام, فأن العثور على من يوجهها من بين الشباب المحتج صعبة ان لم تكن مستحيلة, فكلهم خلية نحل متضامنة... كلهم قادة وكلهم جنود.
فكان الحل الذي توصلوا اليه هو " الاختطاف ". اختطاف الاكثر نشاطاً وبروزاً من بين المحتجين, بعد جمع المعلومات عن طريق جواسيسهم المندسين بين المنتفضين, لعل وعسى يصلون الى رأس الخيط لينهوا الانتفاضة.
تنوعت جهات الخاطفين من رسمية وغير رسمية... وقد تعرض اغلب المختطفين الى تعذيب جسدي ونفسي, لمدد مختلفة, فهم يحاولون خلال فترة الاحتجاز استجوابهم لكسر اراداتهم ولجمع الخيوط للوصول الى مبتغاهم.
الرسالة التي ارادت هذه الجهات ارسالها, هي رسالة " ارهاب ", لا تخص المختطفين فقط بل حتى زملائهم واهاليهم بأشاعة اجواء رعب نفسي يردعهم عن مواصلة الانتفاضة ورفض الفاسدين والرضوخ لأرادتهم.
لقد مارست الدولة من خلال هذه الاجراءات " ارهاب دولة " موجه ضد مواطنيها, منافي للدستور وللقانون ولكل الشرائع الانسانية, بمصادرة حرية اناس مسالمين.
وقد شرعت اجهزة القمع الحكومية بارتكاب خروقات اخرى, باستعارتها لخبرات أجهزة قمع حقب بائدة, بأجبار المعتقل على التوقيع على ورقة " عدم التظاهر او عدم التحريض ضد الحكومة ".
ان هذه الاساليب مارستها تحقيقات بهجت العطية الجنائية ايام الحكم الملكي لمنع المناضلين الوطنيين من معاودة نشاطهم السياسي, كما استمرت اجهزة القمع في مراحل لاحقة في انتزاع " البراءات " من السجناء السياسيين, ومنها ايام المقبور عبد السلام عارف بعد انقلابه في 18 تشرين 1963 على انقلاب حلفاءه البعثيين الفاشي في 8 شباط 1963 ضد حكومة عبد الكريم قاسم.
والكثير من مواطنينا قد يكون قد قرأ قصيدة " البراءة " لطيب الذكر الحاضر ابداً شاعر الشعب مظفر النواب الموجهة اساساً الى المناضلين الشيوعيين في سجون عارف.
نفس هذه الممارسة, ممارسة انتزاع الاعترافات والبراءات والتنازل عن الحقوق مارسها البعث البائد بعد حملته ضد الشيوعيين والديمقراطيين عام 1978-1979, باجبار معتقلي الامن العامة بالتوقيع على ورقة بعدم معاودة العمل السياسي مع اية جهة كانت عدا حزبهم الفاشي.
ان اسليب اذلال المنتفضين وانتزاع التنازلات منهم بالتخلي عن حرياتهم التي ضمنها الدستور والقانون الساريا المفعول, سلاح الخائبين, وهي دليل فشل آخر يضيفه الخاطفون الى سجلهم الحافل بالانتهاكات الفضّة للحريات والحقوق الشرعية للمواطنين.
دعوة للنشطاء المدنيين وكل ذوي النوايا الحسنة للعمل على تدويل جرائم اختطاف الناشطين والتنكيل بهم وسلب حريات المواطنين...
انها قضية آنية ملحة, لا يجب التهاون بشأنها !