.. وكان مما قراته في كتاب(النخلة) لأبي حاتم السجستاني(توفي 255 هجرية) أنَّ قيصر ملك الروم كتب الى عمر بن عبد الخطاب كتاباً جاء فيه:
" أما بعد، فإن رسلي أخبرتني أنَّ قبلِكم شجرة تخرج مثل آذان الفيلة، ثم تنشقُّ عن مثل الدرِّ ألابيض، ثم تخضرُّ كالزمرد الاخضر، ثم تحمرُّ فتكون كالياقوت الاحمر، ثم تنضجُ فتكون كأطيب فالوذج أُكلَ، ثم تينع وتيبس، فتكون عصمة للمقيم وزاداً للمسافر، فإن تكن رسلي صَدَقتني فإنها من شجر الجنة."
وجاء في الكتاب:" ويباع في البصرة من النُّوى بمال عظيم لا يُضبط حسابه: والله إني لأشعر بالخجل مما فعلته وتفعله الحكومات في البصرة والعراق من جرئم ضد النخلة، ذلك لأنَّ الحال على النماء والوفرة في النخل والتمر استمر حتى حكمنا الجهلة والسفلة، وإن إبتدأ السوء بآخر أيام النظام السابق إلا أن مافعله الهؤلاء يندى له الجبين، ولعل أكثر ما يؤلم البصريين أنهم يضطرون الى شراء تمرهم من السعودية وإيران، بعد ان كانت مدينتهم قبلة الدنيا في النخل وسوق الفاكهة وانواعها وفي الحبوب والخضار.
ولأنَّ لحياتي خارج البصرة ونخلها ومائها ضريبة قاسية، أدفعها من جسدي دماً واعصاباً وروحاً، فقد لجأت الى ما ظل في قطعة الارض من نخل، أبحث في بساتين الاهل والاصدقاء عن نوع مندثر منه فاجلبه، عن فسيل مهجور في السبخة المهجورة فانقله، وأغرسه، وانتظره العامين والثلاثة والخمسة، أمنّي نفسي كل يوم بيوم جديد احياه، واقتطع من تراب القبر الذي ينتظري الفسحة والفسحتين فيمهلني الربُّ، وماذا يتوجب على رجل مثلي غيرخمس حجج لا غير، لذا، لا أملك سوى الانتظار، وانتظرتُ، حتى بلغ الصبرُوفاءَه صباح اليوم، العشرين من شبط، فقد أثمرت نخلتا (العويدي والحويزي) اللتان غرستهما قبل خمسة أعوام. رحمك الله يا حاج كاظم خضير فقد احسنت بيعك لي.
ثم أنني، وفي جولان يومي، أسعاه جاهداً، متفقداً النخل، امهاتٍ وفسائل، بدشداشة مستلة من الغضب والرضا واليأس معا، وقد أدمنتُ دسَّ المنجل بالحزام، اتطلع في فروج السعف والقصاميل، في القُلَبِ، النخل، أتقلب معها الى حيث تحملني قدماي، وتبصره عيني، ولعل سروري لا يبلغه سرورُ كلّ من كان على اليابسة، ساعة اجد الطلعة والطلعتين والثلاثة وقد شقت سبيلها خارجة من الليف الوثيق، ومن الشوك المتعامد، النابت في القصاميل، يدفعها إنتظار ممضٌّ، لا ينفكُّ ملازمي. لذا، أجدني هناك، هناك .. أترك الهاتف وعوينات القراءة ومحفظة النقود في البيت، فانا لست انا بين النخل، أنا لست انا بين الانهار وتحت الظلال. هناك ما ابحث عنه مع ابي حاتم سهل بن محمد بن عثمان السجستاني، و مع الشيخ عبد القادر باش أعيان العباسي(1894.....) في كتابه (النخلة) مع عبد الجبار جاسم البكر، المولود في بلد سلطان بابي الخصيب (1903 - 1977) في كتابه (نخلة التمر) ومع غرسة النخل ومتبضعي الانهار، وجوابي الدير والقرى وبائعي التواريخ، الذين نال منهم البحث، وأودى بجميل ايامهم الاستقصاء .. هؤلاء، الذين أرهقهم طول انتظار إطلاع الفسائل بين الليف الوثيق ، أنا منهم بشيئ، نعم أنا منهم باكثر من ذلك.