من الانصاف البعيد عن الحقد والخوف والضغائن، تتسم مسيرة الحزب الشيوعي العراقي بالانحياز المطلق لطموحات الشعب وأماني الكادحين وكل شرائح المجتمع العراقي الحافل بالتلون المذهبي والقومي والإثني، ومواقف الحزب ما كانت يوما من اجل نيل امتيازات وكسب مغانم والسعي لاستلام سدة الحكم في مجتمع احوج ما يسعى اليه نيل الحرية والكرامة والديمقراطية والوجود الإنساني الكريم، وهذا ما عايشناه بكل التفاصيل وعن قرب وتماس مع نضالات هذا الحزب الطليعي المكافح بحزم للوصول للأهداف المرسومة، الأمر الذي كلفته هذه المواقف الوطنية النبيلة، انهارا من الدماء وآلاف من الشهداء من خيرة مناضليه وكوادره البطلة التي عانت ما عانت وواجهت ابشع صيغ القمع والمحو والتغييب والقتل ، وهذه التضحيات الجسيمة لم تكن يوما غائبة عن كافة شرائح المجتمع العراقي بمكوناته وتلويناته، وتشكيلاته العمرية من شباب وشيب وحتى الأطفال الذين عايشوا وعاصروا وعانوا من استهدافات شنها الطغاة والقتلة وعقب مراحل مختلفة منذ تأسيس هذا الفصيل الوطني المقدام منذ العام 1934 وقبل ذلك من خلال الخلايا الأولى التي تم تشكيلها وتجميع المثقفين وذوي الفكر التقدمي من خلال اعتناقهم لفكر هذا التيار الوطني الأصيل رغم قلة الأعداد الأولى لمعتنقي الفكر الشيوعي الطليعي الذي اتسم حينذاك بثورة فكرية حديثة غايرت السائد من الأفكار الموروثة والتي أبقت المجتمع العراقي في حالة من التخلف والظلامية والموروث الذي جثم على عقول الناس تحت طائلة السائد الرجعي والذي خدم القوى الرجعية بمواقفها الخيانية لرهن الوطن وابقائه تحت رحمة القوى الاستعمارية والامبريالية والاستغلال البشع للقوى الفاعلة التي ظلت لفترة طويلة ترزح وتعاني ظلما وقهرا من الممارسات التي كلفت القوى التقدمية وفي مقدمتها حزبنا الشيوعي العراقي أفواجا من الضحايا والاستهدافات المجرمة التي شملت امتلاء السجون والمعتقلات وسياط الجلادين التي طالت الرفيقات والرفاق الابطال الذين اذهلوا القتلة بصمودهم وعنادهم وتمسكهم جميعا بمبادئهم الوطنية من اجل انهاء بيع الوطن وارتهانه بيد الأجنبي وبمباركة وتنفيذ خونة الوطن وعملائه المجرمين. دون ان ننسى الدور البطولي للرفيقات اللائي نلن من القمع ما يوازي ما لاقاه الرفاق، ويمكن للمتابع لهذه المسيرة الظافرة لحزبنا المقدام الرجوع لكتاب الرفيق الشهيد عبد الجبار وهبي (أبو سعيد) بعنوان: "من أعماق السجون العراقية". وهي شهادات موثّقة لحجم المعاناة الجسيمة التي استهدفت مناضلي الحزب وكوادره الخالدة وما لاقوه من شتى الصنوف الهمجية بممارسات أدت الى موت وتغييب وملاحقة خيرة أبناء الشعب العراقي.
اننا حين نسرد تأريخ حزب الشعب المكافح، الحزب الشيوعي العراقي، لا ننوي إضفاء قدسية وهالة من الفبركة لتاريخ هذا الفصيل الوطني، انما هي شهادة معايشة وبموضوعية صادقة، رافقتنا وصاحبناها، باعتبارنا أعضاء في الحزب منذ نهاية الستينات، كنا وما زلنا بذات الحرص على شرف الانتماء لهذا الفصيل الوطني الأصيل.
ان الحزب الشيوعي العراقي لم يكن يوما حزبا طائفيا او شوفينيا او اثنيا او منحازا لهذا التكوين العراقي دون غيره، انما كان حزبا لكل العراقيين على امتداد تاريخه المعمّد بالدم والتضحيات الجسام للدفاع عن المبادئ الوطنية التي كانت هي الهدف الأسمى من اجل إقامة الدولة المدنية الديمقراطية الحامية لحقوق الشعب العراقي بكل مكوناته واطيافه وتشكيلاته التي تشكل موزائيكه الجميل والذي هو بحق مصدر قوته وديمومته، و كان وما زال الحزب الذي يعتبر البوتقة الحقيقية لجمع مكونات العراق في سفينة وطنية يقودها لبر الأمان.
فلا غرو اذن ان يواجه الحزب وطيلة سنوات النضال حروبا شعواء وعداءات مستفحلة من لدن القوى الرجعية والأحزاب العميلة والمتخلفة لإيقاف هذا المد الوطني الذي يشكل خطرا حقيقيا لحرمانهم من العبث والفساد وأساليب الخراب التي تقوده تلك الأحزاب، وعليه تحمّل الشيوعيون دفع ضريبة الالتزام الوطني الباهظة من دماء وتضحيات واعتقالات وملاحقات طيلة سنوات الحكم الفاشي الديكتاتوري، وما زال الحزب موضوعا في اجندات اطراف حاقدة وراصدة لتحركاته وهي تعيش حالة ذعر من المد الجماهيري الذي يناضل من اجل إقامة دولة القانون ودولة الحرية والكرامة وحماية حقوق الانسان وإقامة المساواة الاجتماعية بنظام حكم ديمقراطي وطني حقيقي.
ان المناسبة السعيدة لتأسيس الحزب الشيوعي، ليست فقط عيد الشيوعيين العراقيين وحدهم، بل هو عيد كافة العراقيين المحبين لوطنهم والمدافعين عن كرامة العراقيين والمجندين من اجل محاربة الفاسدين والمتلاعبين بمقدرات الشعب العراقي ومحاسبة اللصوص والطائفيين وكل من ساهم بشكل وآخر في وصول العراق الى هذا المستوى المخيف من الخراب والدمار والتشظي.
اننا كشيوعيين عراقيين ونحن نستقبل مناسبة تأسيس الحزب المقدام، نجدد الأمل كما عهدنا طيلة انتمائنا لحزبنا، بأن المستقبل لا محالة لقوى الخير والبناء الحقيقي، وليعلم الراصدون والحاقدون، ان الحزب الشيوعي العراقي جزء لا يتجزأ من التراب العراقي والماء العراقي وجبال العراق وارض العراق المباركة، وليعلم هؤلاء الناعقون ان نعيقهم باستهداف الحزب او الانتقاص من مكانته ودوره الوطني سوف لن يجديهم نفعا وستعود احقادهم الى نحورهم الرثة.
ان حزبنا الشيوعي العراقي سيظل متجذرا بأرض العراق يمد قوته من الرجال المضحين وكل المسحوقين والمعدمين، وسيبقى منارة لكل احرار العراق.
المجد والخلود لشهداء الحزب الأبرار
ومرحى للرفاق المقاتلين من اجل رفعة الحزب وتاريخه المجيد
وكل عيد وحزبنا الشيوعي أكثر شموخا وأمضى قوة وعزما لتحقيق اماني الشعب العراقي الأبي.