بدأت القصة مع بداية ظهور مرض كوفيد 19، وحالاً بدأت محاولات إنتاج اللقاح، والسبب لأن اللقاح وحده يمكن أن يمنع الناس من الإصابة بالمرض، ولذلك كان لابد من نهاية سعيدة وإلا فالمرض مُقدِم على تحقيق كارثة بحق البشرية.
ومنذ ذلك اليوم بدأ السباق لإنتاج اللقاح وشارك فيه حوالي 35 شركة ومعهد بحوث، أربعة منهم على الأقل توصلوا بالفعل الى تصميم لقاحات تم اختبارها في الحيوانات. في مقدمة هذه اللقاحات هو اللقاح الذي تنتجه شركة مودرنا للتكنولوجيا الحيوية، ومقرها بوسطن، والذي يتوقع أن يدخل قريباً مرحلة التجارب البشرية.
يرجع الفضل في جزء كبير من هذه السرعة غير المسبوقة إلى الجهود الصينية المبكرة لحل سلسلة الشفرة الوراثية لفايروس سارس كوف 2 (وهو الفايروس الذي تسبب في جائحة كوفيد -19). في أوائل كانون الثاني، وضعت الصين الشفرة الوراثية للفايروس على الشبكة العنقودية، وهو ما سمح للشركات الطبية، ولمجموعات البحث في جميع أنحاء العالم بالبدء بتصميم لقاحات ضد الفايروس. ساعد أيضاً في بناء التصاميم الحديثة للقاحات ضد الفايروس الجديد وجود دراسات سابقة حول فيروسات الكورونا الأخرى مثل السارس والميرز، ولسبب مشاركة فايروس كورونا الجديد (سارس كوف 2) فايروس السارس القديم (سارس كوف) بما بين 80٪ و90٪ من مادتهما الوراثية، ومن هنا جاء تشابه الاسم.
كيف تعمل اللقاحات؟
تعمل جميع اللقاحات وفقًا لنفس المبدأ الأساس، وهو تقديم نوع من الدعم لجهاز المناعة البشري عن طريق تحفيز الجهاز على إنتاج أجسام مضادة للكائنات المجهرية الغازية. الأجسام المضادة هي نوع من الذاكرة المناعية التي بعد إثارتها مرة واحدة، يمكن إثارتها بسرعة مرة أخرى إذا ما تعرض الجسم للغزو. الأجسام المضادة لديها هيكل، وغرض واضح، وعملية مثبتة، وأدوار ومسؤوليات محددة. تؤدي مهام بسيطة وعمليات معقدة. إنها تتحشد وتنتشر متى وأينما كان الجسم في أمس الحاجة إليها. تتواصل مع بعضها وتنسق مهامها وتتعاون مع بعضها الاخر. لديها ذاكرة قوية ومعرفة بالقوى الشريرة التي تهاجم الجسم. تكتشف، وتُحّيد وتدّمر. إنها قوية وضعيفة في نفس الوقت. إنها بحاجة إلى الإمدادات ومصادر الطاقة والدعم. وهي باستمرار منكبة على المراقبة وجاهزة للمعارك. هي خط الدفاع الأول والأخير.
تعمل الأجسام المضادة عبر ثلاث طرق هي:
تفرز في الدم والغشاء المخاطي، حيث تلتصق بالأجسام الغازية كالفيروسات، وتعطلها وتقضي عليها.
تعمل على تنشيط النظام المكمل لتدمير الخلايا البكتيرية وذلك بتحللها (عبر إحداث ثقوب في جدار الخلية البكتيرية).
تُسّهل بلعمة الأجسام الغريبة من قبل خلايا مبتلعة.
يتم تحقيق التحصين تقليدياً باستخدام أشكال ضعيفة من الفايروس أو الميكروب، أو جزء منه بمجرد تعطيله عن طريق الحرارة أو المواد الكيميائية. وتستخدم هذه الطرق في إنتاج لقاحات الحصبة والنكاف وشلل الأطفال وجدري الماء والأنفلونزا والتهاب الكبد وغيرها. ويتم انتاجها عبر عملية تبدأ بزراعة الفايروس في مزارع خلوية كمثل خلايا أجنة الدجاج لغرض توفير كميات كبيرة منه. وبعد تنقيته من المواد العالقة وبقايا الخلايا يتم بإضافة مواد مساعدة ومثبتات ومواد حافظة. تعمل المواد المساعدة على زيادة الاستجابة المناعية للمستضد، وتزيد المثبتات من عمر تخزين اللقاح بينما تسمح المواد الحافظة باستخدام اللقاح في جرعات متعددة صغيرة.
هذه الطرق لها عيوب. يمكن أن يستمر الشكل الحي في التطور بداخل جسم الإنسان، على سبيل المثال، يحتمل أن تستعيد بعض ضراوة الفايروس المعطل مما يؤدي الى مرض المتلقي، بينما يلزم أحياناً إعطاء جرعات عالية أو متكررة من الفايروس المعطل لتحقيق الدرجة الضرورية من الحماية. مع ذلك، تستخدم بعض مشاريع انتاج لقاح كوفيد -19 هذه الأساليب المجربة والمختبرة، لكن البعض الآخر يستخدم تقنيات أحدث وأفضل.
إحدى هذه التقنيات الحديثة تتبنى انتاج لقاح مركب "مؤتلف"، تتضمن عملية تصميمه استخدام الشفرة الجينية لبروتين السنبلة الموجود على سطح فيروس سارس كوف 2، ولصقها في جينوم بكتيريا غير مرضية مما يجبر هذه الكائنات الحية الدقيقة على إنتاج كميات كبيرة من هذا البروتين كإضافة لبروتينات البكتريا. هناك طرق أخرى أحدث تعتمد على بناء اللقاحات على أساس التعليمات الوراثية نفسها وليس على البروتينات التي تشفر لإنتاجها.
التجارب السريرية للتحقق من نجاعة اللقاح
تلي مرحلة تصميم اللقاح مرحلة التجارب السريرية وهو التي من المرجح أن يتعثر فيها نجاح أي لقاح من اللقاحات المصممة، وهي على ثلاث مراحل. الأولى، تشمل بضع عشرات من المتطوعين الأصحاء، وفيها يختبر اللقاح من أجل التأكد من سلامته، ورصد الآثار الضارة. الثانية، تشمل عدة مئات من الأشخاص، وعادة تجرى في مكان أو دولة تضررت من المرض، حيث تدرس مدى فعالية اللقاح. وفي المرحلة الثالثة يتم تجربة اللقاح على عدة آلاف من الناس. وخلال هذه المراحل تبدأ اللقاحات بالتساقط كما يقول بروس جلين، الذي يدير برنامج التحصين العالمي لمؤسسة سابين للقاحات: "ليس كل الخيول التي تبدأ السباق ستصل خط النهاية".
هناك أسباب كثيرة لعدم نجاح لقاح. إما أن المرشح غير آمن، أو أنه غير فعال، أو كليهما. ولهذا السبب لا يمكن تخطي التجارب السريرية أو التعجيل بها. يمكن تسريع الموافقة إذا لم تمانع السلطات الصحية استنادا على الخبرة السابقة. مثلاً لقاح الإنفلونزا السنوي يحمي عادة من الإصابة بثلاثة أو أربع فيروسات مختلفة يتوقع أن تكون الأكثر شيوعاً خلال الموسم اللاحق، ويشمل خط انتاجه تجميع وحدات بحيث يتم تحديث وحدة واحدة أو بضع وحدات كل عام. أما سارس كوف 2 فلكونه مرضاً جديداً لدى البشر فان العديد من التقنيات المستخدمة لبناء اللقاحات غير مجربة. على سبيل المثال، لم تتم الموافقة لغاية اليوم على أي لقاح مصنوع من المواد الوراثية أي الحوامض الوراثية - رنا أو دنا -. لذا يجب معاملة اللقاحات ضد كوفد -19 على أنها لقاحات جديدة تماماً، وستحتاج إلى إخضاعها لاختبارات السلامة الصارمة بشكل خاص لاستبعاد خطر زيادة حدة الإصابة بالمرض. ولهذه الأسباب لا يمكن توقع ظهور أي لقاح ضد كوفد 19 بأقل من 18 شهراً وهذا يعتبر بحد ذاته سرعة قياسية.
في أثناء ذلك، تبرز مشكلة محتملة أخرى فالقصة لا تنتهي بتصميم اللقاح وثبات نجاحه. فبمجرد الموافقة على اللقاح، ستكون هناك حاجة إليه بكميات كبيرة – بينما العديد من المؤسسات الموجودة في سباق اللقاح كوفد -19 ببساطة ليس لديها القدرة الإنتاجية اللازمة. وعند الموافقة على لقاح كوفد - 19، ستظهر مجموعة إضافية من التحديات، فالحصول على لقاح ثبت بأنه آمن وفعال في البشر يأخذ واحداً في أفضل الأحوال نحو ثلث الطريق إلى ما هو مطلوب لسد احتياجات برنامج للتحصين العالمي.
الكثير من الطاقة الإنتاجية الضخمة تقع على عاتق شركات الأدوية الكبرى، من مثل اللاعبين الكبار (شركات من مثل سنوفي، وميرك، وجي اس كي). طبيعة هذه الشركات التجارية تمنعها من زج نفسها في عملية قد لا تضمن تحقيق أرباح لها. لم تكن تجارب هذه الشركات مربحة في حالات الطوارئ الصحية السابقة، فعندما تسابقوا لتطوير وإنتاج لقاحات جديدة قرر العالم في النهاية أنه لا يحتاجها مما أدى الى تعرضها لخسائر كبيرة. اليوم من بين اللاعبين الكبار، فقط شركة جونسون وجونسون أعلنت أنها ستحاول صنع لقاح. ماذا عن الآخرين؟ إذا لم يشارك المنتجون الرئيسون، فمن الصعب تخيل أنه يمكن أن يكون هناك لقاح بكميات كبيرة. أرجو أن أكون مخطئا!
ثم من ستكون له الأولوية في الحصول على اللقاح؟ تخيل السيناريو التالي، على سبيل المثال، الهند - وهي مورد رئيس للقاحات الدول النامية- تقرر استخدام إنتاج اللقاح لحماية سكانها البالغ عددهم 1.3 مليار نسمة أولاً، قبل تصدير أي منه. هل سينتظر العالم الى أن تسد الهند حاجتها من اللقاح؟ ما الذي سيحدث في حالة حدوث حالة طوارئ يحتاج فيها بلد ما كميات كبيرة من اللقاح؟ وبكل الأحوال لربما لا يتوفر اللقاح إلا بعد أن يكون الوباء قد بلغ ذروته وانخفض. ومع ذلك فقد تكون نهاية سعيدة للقصة عندما يمكن للقاح أن ينقذ العديد من الأرواح، خاصة إذا أصبح الفايروس متوطناً أو منتشراً بشكل دائم - مثل الأنفلونزا – ويتفشى بشكل موسمي. ولكن حتى ذلك الحين، أفضل أمل لدينا لتحقيق النصر بالقضاء على الفايروس الشرير هو الاعتماد على العلم بدلاً من الإيمان الأعمى، وعلى التعاون بدلاً من التحامل حتى نتمكن جميعاً من التوجه نحو تحقيق نهاية القصة السعيدة للفوز بالنصر النهائي في هذه الحرب العالمية ضد الوباء.
من السهل اتخاذ الخيارات الصحيحة.