لم يوجه الى الإتحاد الأوربي كمؤسسة، منذ فكرة تأسيسه مطلع خمسينيات القرن الماضي حتى هذه المرحلة التي بلغ فيها عدد أعضائه نحو ٢٧ دولة، لم يوجه اليه نقد بشأن ضعف التضامن الدولي والإنساني بين أنظمته، مثلما يوجه الآن خلال أزمة إنتشار جائحة كورونا، وذلك بدءا من إيطاليا، حيث سجلت أعداد الوفيات أرقاما عالية قبل إنتشارها إلى باقي بلدان الإتحاد.
معروف ان أساس فكرة الإتحاد هو تعزيز التعاون وبناء السلام، وحفظ حياة الانسان كمرتكز للحياة بكل أبعادها. ويأتي هذا بعد ان عانت أوربا طويلا من كوارث الحربين العالميتين الأولى والثانية وتداعياتهما. لكن التضامن الأوروبي بدا اقرب الى "قصة خرافية على الورق" على حد قول الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش، عندما شعر بالمرارة وهو يرى بلاده تترك دون مساعدة من قبل الإتحاد. وهذا كان احساس الإسبان أيضا، عندما لم تعد مستشفياتهم قادرة على إستيعاب أعداد المصابين. اما الايطاليون فقد هجا رئيس جمهوريتهم سيرجيو ماتاريلا دول الاتحاد التي لم تفعل شيئا بالقول "ننتظر على الأقل، ألا تعيق مساعي التضامن معنا في مواجهة الفيروس".
لقد شمل غياب التضامن الإنساني النظام الرأسمالي برمته، ولم يقتصر غيابه عن الاتحاد الأوربي وحسب، حيث انكفأ كل بلد على ذاته، ضاربا في الصميم قيم التضامن الإنساني، التي فوجئنا بدلا عنها بأخبار قرصنة المواد والمستلزمات الطبية بشكل غير مسبوق، في اثناء الكوارث الإنسانية على الاقل. ولا يتسع المجال هنا بالطبع لحصر تلك الأفعال المشينة، لكن يمكن الإشارة الى ما أعلنه وزير الصحة الألماني ينس سبان، من أن مشترين أميركيين إستولوا على شحنة كمامات صينية الصنع، كانت في طريقها الى فرنسا. وفي السويد إتهمت شركة مولنليك الطبية السلطات الفرنسية بمصادرة ملايين الكمامات والقفازات الطبية، التي إستوردت من الصين لصالح إيطاليا وإسبانيا، فيما لم تستطيع أوكرانيا شراء الكمامات من الصين، بسبب دفع أمريكيا الأموال نقداً لشحنات الكمامات.
ولا بأس في ذكر محاولة ترامب إقناع شركة ألمانية تسعى الى انتاج لقاح ضد فيروس كورونا، بنقل أبحاثها إلى الولايات المتحدة حصرياً، عارضا عليها مليار دولار. وقد أجابه وزير الاقتصاد الألماني بيتر ألتمير قائلا إن ألمانيا ليست للبيع. وحسب صحيفة "الغارديان" البريطانية، فان "ترامب" طلب من شركة "ثري أم" الأمريكية، التي تنتج أجهزة تنفس إصطناعي، عدم تصدير تلك الأجهزة إلى كندا وأميركا اللاتينية.
يؤكد زعماء الرأسمالية من خلال هذا السلوك، ان المنافسة والتنافس من القيم الاصيلة لليبرالية الجديدة، حتى لو تمت بأسلوب القرصنة. أما التضامن فيتراجع أمام الانانية والانكفاء. وهم بذلك يتناسون قيمة التضامن الانساني، وكونه وحده القادر على تحقيق وحدة المجتمع الانساني وقوته في مواجهة الاخطار والكوارث، فيما تكمن قيمة الإنسان في إنسانيته، التي هي ركيزة تضامن البشر وتآزرهم وتعاضدهم.
ولعل من المناسب ان اختم هذا العمود بقول المفكر الإيطالي المعاصر نوتشيو أوردين: "وحدهما الأخوة الكونية والوعي التضامني الإنساني، يمكنهما جعل المجتمع أفضل وإزالة الظلم واللامساواة".