الفائدة من التاريخ معيار لرسم آفاق المستقبل لكي تكتمل اللوحة الآنية لتطور حركة الطبقة العاملة ومسارات نضالها النقابي في الوقت الراهن من خلال النظرة الموضوعية لتاريخ كفاحها وتصميمها من اجل مصالح شغيلة اليد والفكر وعموم الكادحين سنتوصل إلى آفاق مستقبلية لتحقيق مطالبها المشروعة، فمنذ ان تأسس الاتحاد العام لنقابات العمال في العراق عام ( 1933) أصبح العمل النقابي أكثر رسوخاً والانتماء للنقابات أكثر توسعاً بما فيها تطور الوعي النقابي الذي برز في الشعور بالاستغلال الطبقي وضرورة النضال المطلبي والوطني للدفاع عن العراق.
بعد التأسيس مرت الطبقة العاملة العراقية وحركتها النقابية بمراحل عديدة وعانت من سياسة الإلغاء والتهميش الكثير، ولم تكن الحكومات المتعاقبة منذ العهد الملكي متساهلة وحاربت النقابات والتنظيم النقابي ، وفي خضم الصراع الذي خاضته الطبقة العالمة، شغيلة اليد والفكر برز دور المراة العاملة بشكل تدريجي ضمن المطالب الحقوقية العمالية والسياسية وشاركت كونها جزء لا يتجزأ من شغيلة اليد والفكر ولعبت دوراً غاية في الأهمية في النضال الطبقي المطلبي والوطني السياسي بالرغم من الظروف الاجتماعية وتقاليدها المظلمة إضافة لوظيفتها الاجتماعية كونها نصف المجتمع وحاضنة للأجيال القادمة ولم تتخل المراة عن موقعها الإنساني لتشارك في العمل المنتج وقدمت من عرق جبينها مساعدات جلة للعائلة في الترتيب الأسري داعمة الزوج والأب والعائلة بشكل عام ولم تبخل في تضحياتها وتحملها ضنك العيش وفقر الحال والإضطرابات الاجتماعية والسياسية و ظلم التقاليد الاجتماعية والأسرية البالية التي وضعت كأنها سلاسل و حدود حديدية لكبح المطالب المشروعة في الحياة كونها نصف المجتمع البشري.
في العراق ساهمت المراة بشكل فعال في بلورة خلق إجماع اجتماعي وسياسي لدعم حقوقها ومطالبها بحياة كريمة وحريات شخصية في الدراسة والعمل، في الدائرة أو المشاغل والمعامل الصغيرة الخاصة وحسب الظروف القاسية التي مرت على الحياة الاجتماعية والسياسية وبفضل نضالها ونضال القوى التقدمية فقد حققت العديد من المنجزات بواسطة التنظيم أو القوانين التي سنت وتضمنت البعض من الحقوق المشروعة، وبفضل نضالها الدؤوب، فقد استطاعت ان تكون قوة فاعلة فرضت نفسها حتى على القوى الظلامية التي ترى فيها ناقصة عقل ودين، وخلال حقب السنين التي حملت العديد من الحكومات والأنظمة منذ العهد الملكي وحتى الوقت الراهن لم تغب المراة عن سوح النضال بل شاركت في أكثرية النضالات والأعمال الثورية بما فيها حمل السلاح ضد النظام الدكتاتوري البعثي، وقدمت الكثير من التضحيات بما فيها الاعتقال والسجن والتعذيب البربري والإعدام ولم تلن النساء المناضلات أمام قسوة واضطهاد الجلادين الذين حاولوا التقليل من أهمية وقيمة المراة في سوح النضال المطلبي والوطني والتشريعي، اليوم بعد تلك الحقب العجاف وبخاصة أل (35 ) عاماً من الدكتاتورية والاضطهاد والتعسف مازالت المراة تخوض الكفاح من اجل حقوق الشعب وحقوقهن المشروعة وعلى الرغم من إنها الضحية الأولى لما ارتكبه الحكام وبخاصة بعد السقوط والاحتلال من أخطاء وجرائم وتجاوز على حقوق المراة فهي مازالت تعاني من النظرة الدونية الذكورة في سن القوانين الخاصة بها، وبينما ترى أن الأكثرية يتحدث عن الحقوق المشروعة للمراة لكن في الوقت نفسه يقف موقفاً سلبيا من حقوقها ويتناقض مع ما جاء في الدستور من نصوص قانونية
ولقد أشارت انتصار الجبوري رئيس المراة النيابية في 8 / 3 / 2020 " أن “المشكلات التي تعصف بالبلاد تلقي بظلالها الثقيلة على كل شرائح المجتمع بلا تمييز، لكن المرأة هي ضحيتها الأولى بسبب ما تعانيه من تداعيات الأخطاء الكارثية التي ارتكبت بحق البلاد طوال السنوات الماضية "
لقد أدت التطورات الجديدة بعد الاحتلال والسقوط عام (آذار 2003) إلى واقع جديد ومهمات جديدة تواجهها المراة ..
أولا: مازالت أسيرة التقاليد البالية والحجر الذكوري لحقوقها المشروعة
ثانياً: الاحتلال وشركائه وحلفائه الذي فرض المحاصصة الطائفية.
ثالثاً: أحزاب الإسلام السياسي التي تملكت السلطة من قبل الاحتلال أولاً، وثانياً ومن خلال قانون الانتخابات الجائر الذي كان ومازال أداة في يد القوى المتنفذة، واستغلال الدين والطائفية
رابعاً: الصعوبات في تحقيق توازن بين مهماتها المنزلية ودرها التاريخي في المجتمع البشري وبين القضايا السياسية ومستجداتها على المستوى النقابي ومنظمات المجتمع المدني و القضايا البرلمانية التي لم تكن يوماً ما متاحة بهذا الشكل والواقع الجديد، فبعد حكم دكتاتوري شامل إلى احتلال البلاد/ وإسقاط النظام في الوقت نفسه.
جابهت المرأة العاملة والمراة بشكل شامل ظروفاً معقدة أثرت بمستجداتها على حياة العائلة الاجتماعية، وعلى واقع العمل والواقع السياسي وعلى الرغم من إسقاط النظام الدكتاتوري فان الحقوق المشروعة مازالت تحبو ولم تكتل بشكل صحيح، والكوتا النسائي يعتبرها البعض من أحزاب الإسلام السياسي عبارة عن منّة وفضلاً تقدم للنساء وقضايا تمثيلهن في البرلمان، واستغلت القوى المتنفذة هذا الكوتا لمصالحها الحزبية والطائفية، وكان المفروض تعديل قانون الانتخابات ليكون قانوناً انتخابياً عادلاً، وفسح الحرية الكاملة للمراة العراقية في اختيار ممثليها، كما نلاحظ ضعف الدور في المجال النقابي الذي ارتفع من خلال تأسيس الاتحادات والنقابات لان الفهم المعوق لدور المراة في العمل والعمل النقابي مازال يتحكم في المفاصل الحياتية والسياسية والنقابية حيث تعاني المراة من الظلم والحيف وتعامل وكأنها درجة ثانية في سلم الحياة والعلاقات الاجتماعية، كما نجد تفاوتا واضحاً في مواقع العمل وعدم المساواة في الأجور وظروف العمل والاستغلال في القطاع الخاص ، أما المجال النقابي فمازال دورها مغبوناً من حيث تمثليها في اللجان النقابية، ومازال ضعيفاً وغير متكامل مع وجود مواقف سلبية من قبل المسؤولين تجاه النقابات والعمل النقابي بشكل عام ــــ فكيف يكون الموقف من عمل المراة في النقابات ؟ ، طبعاً سيكون الموقف سلبياً كما كان في كل الأوقات.
أن النضال العام وكفاح الطبقة العاملة شغيلة اليد والفكر سيؤدي حتماً مهما طال الزمن أو قصر إلى تحقق حقوق المرأة في التنظيم النقابي الحر بشكل قانوني واجتماعي ولبناء "مجتمعاً واعياً " يخوض النضال الاجتماعي الوطني والطبقي بنجاح لتحقيق ليس الحقوق المشروعة للمراة فحسب بل لجميع الكادحين وفق لوائح حقوق الإنسان وتحقيق العدالة الاجتماعية للجميع.