كثيراً ما نسمع عن وجود سلالات لفايروس كورونا المستجد. الجواب نعم توجد سلالات ولكن ذلك يثير بعض اللغط لعدم وضوح معنى سلالة فايروسية خصوصاً باللغة العربية. ادناه هو ما نعرفه حول موضوع الفايروسات التاجية والسلالات (strains, variants, mutants).
كم عدد الفيروسات التاجية الموجودة؟
لم تظهر الفايروسات التاجية في الآونة الأخيرة، فهي عائلة كبيرة من الفايروسات التي كانت موجودة منذ فترة طويلة. كثير منها يمكن أن يصيب الناس عن طريق التنفس أو السعال. قبل تفشي السارس- كوف -2 (SARS-Cov-2) كان يُعتقد أن الفيروسات التاجية تسبب فقط التهابات خفيفة في الجهاز التنفسي عند المصابين.
يعد فايروس كورونا المستجد واحداً من عدة فيروسات معروفة بإصابة البشر. ربما كانت موجودة لبعض الوقت في الحيوانات. في بعض الأحيان، ينتقل فايروس موجود في الحيوانات إلى البشر. هذا ما يعتقد العلماء أنه حدث مع هذا الفايروس. لذلك هذا الفايروس ليس جديداً على العالم، ولكنه جديد على البشر. عندما اكتشف العلماء في السنة الماضية أنه يسبب مرضاً خطيراً، أطلقوا عليه اسم فايروس كورونا المستجد.
أنواع الفيروسات التاجية البشرية
قسَّم العلماء الفايروسات التاجية إلى أربع مجموعات فرعية، تسمى ألفا، وبيتا، وغاما ودلتا. سبعة من هذه الفيروسات يمكن أن تصيب الناس، منها:
- ميرس-كوف، فايروس بيتا يسبب متلازمة الشرق الأوسط التنفسية (ميرز)
- سارز كوف، فيروس بيتا يسبب متلازمة تنفسية حادة شديدة (سارز)
- سارس-كوف-2 الذي يسبب كوفد - 19
لماذا تتغير الفيروسات
تحتوي الفيروسات التاجية على مادتها الوراثية في ما يسمى رنا (حامض الريبوزي RNA ). وهذا الحامض لديه بعض أوجه التشابه مع الحامض النووي الديوكسي رايبوزي (DNA) ، لكنهما ليس متشابهين تماماً .
عندما تصيبك الفايروسات، فإنها تلتصق بخلاياك، وتدخلها، وتصنع نسخًا من الحامض النووي الريبوزي الخاص بها، مما يساعدها على الانتشار. إذا كان هناك خطأ في عملية النسخ، يتم تغيير الحامض النووي الريبوزي. يطلق العلماء على تلك التغييرات بالطفرات.
تحدث هذه التغييرات بشكل عشوائي وعن طريق الصدفة. إنه جزء طبيعي مما يحدث للفايروسات لأنها تتكاثر وتنتشر.
إذا كان للفايروس تغير عشوائي يسهّل إصابة الأشخاص ويسهّل انتشاره، فإن هذه الطفرة (المتغيرة) ستصبح أكثر شيوعاً.
خلاصة القول هي أن جميع الفايروسات، بما في ذلك الفايروسات التاجية، يمكن أن تتغير بمرور الوقت. يطلق العلماء على النسخ المختلفة قليلاً بالسلالات الجديدة.
سلالات فايروس الكورونا المستجد
نظراً لأن التغييرات عشوائية، لا تحدث بالعادة تغييراً يذكر في صحة المصاب. لكنها في أوقات أخرى، قد تسبب المرض. على سبيل المثال، أحد أسباب احتياجك للقاح جديد للأنفلونزا كل عام هو تغير فيروسات الإنفلونزا من عام إلى آخر. فلربما لم يكن فايروس إنفلونزا هذا العام هو نفس الفايروس الذي انتشر العام الماضي.
تأتي نظرية وجود سلالات مختلفة من فايروس كورونا المستجد من دراسة أجريت في الصين. كان الباحثون يدرسون التغييرات في الحمض النووي الريبوزي مع مرور الوقت لمعرفة كيفية ارتباط مختلف الفيروسات التاجية ببعضها البعض. قاموا بفحص 103 عينات من فايروس كورونا المستجد الذي تم جمعه من المصابين، وقارنوها بالفايروسات التاجية من الحيوانات. اتضح أن الفايروسات التاجية الموجودة في البشر ليست كلها متشابهة. كان هناك نوعان، أطلق عليهما الباحثون "L" و "S". إنها متشابهة جدًا، مع اختلافات طفيفة في مكانين على الحامض الرايبوزي. يبدو أن النوع "S" جاء أولاً. لكن العلماء يقولون إن النوع "L" كان أكثر شيوعاً في وقت مبكر من تفشي المرض. مازلنا نحتاج إلى المزيد من البيانات لمعرفة حقيقة ما تعنيه هذه السلالتين بالنسبة للإصابة بالمرض.
بعد ذلك درس باحثون في جامعة كمبردج أسلوب تفشي الفايروس الأصلي وظهور المتغيرات الجديدة من خلال الطفرات الجينية وانتشارها من الصين وآسيا والى استراليا وأوروبا وأميركا الشمالية، حيث تبين لهم وجود متغيرات ثلاثة، سميت "A" و "B" و "C"، وبالرغم من تميزها لكنها كانت مرتبطة ارتباطاً وثيقاً ببعضها.
المتغير "A" هو النوع الأكثر تشابهاً مع السلالة الاصلية لتفشي المرض- أي النوع الذي وجد في الخفافيش والبنغولين في ووهان. يشير البحث إلى أن السلالة "B" مشتقة من "A"، ومفصولة عنها بطفرتين، بينما تكون "C" في ذلك الوقت "ابنة" "B". تم التوصل الى هذه البيانات باستخدام عينات مأخوذة من جميع أنحاء العالم بين 24 كانون الأول 2019 و 4 آذار 2020. وباستخدام خوارزمية رياضية لتشخيص جميع الفروع في شجرة انتشار المرض.
وظهر أن النوع "A" هو الأقرب إلى الفايروس في موقع انتشار الوباء الأصلي والى الفايروس الموجود في الخفافيش، بالرغم من أنه ليس الأكثر انتشاراً. يشير البحث إلى أن هذه السلالة تحتوي على مجموعتين فرعيتين، واحدة في ووهان والأخرى في أميركا وأستراليا.
النوع "B" هو الفايروس الأكثر شيوعاً في ووهان- يُعتقد أنه مشتق من النوع "A" من طفرتين، ولكنه لم ينتقل بعيداً من دون حدوث طفرات وذلك لربما بسبب ظاهرة اطلق عليها "تأثيرالمؤسس Founder Effect"، أو لربما بسبب مقاومة شديدة لانتشاره خارج شرقي آسيا. النوع الثالث، هو النوع "C" ، هو "ابنة" النوع "B"، ويعتقد أنه انتشر إلى أوروبا عبر سنغافورة. وهذه السلالة تمثل اختلاف واحد عن النوع الأصلي، أي النوع "B".
هذا علماً أن الأدلة تدل بوضوح الى وجود مصدر واحد مشترك لجميع التغيرات أو السلالات الموجودة حالياً، وهو الذي نشأ في الخفاش وانتقل الى الإنسان، وهذا ليس بالشيء الجديد حيث سبق وأن قفزت فيروسات أخرى من الخفاش والى الإنسان، ومن المرجح أن يكون الفايروس قد انتقل عبر حيوانات مضيفة ووسيطة أخرى موجودة في سوق ووهان. وما يؤكد العلاقة بين الخفافيش والفايروس هو تشابه جينوم فيروس الخفاش، وجينوم فيروس كورونا المستجد بحوالي 96 %. وقد قدمت دراسة صينية نتائج جديدة تدعم بشكل عام دور ووهان كمركز لتفشي المرض، ولا يوجد أي دليل على مصادر أخرى للفايروس الاصلي. مع ذلك يبقى السؤال عن ماهية الظروف التي أدت بالفايروس الى الانتقال لإصابة الإنسان.
كما اثبتت دراسة لمجموعة من العلماء من أميركا وبريطانيا وأستراليا استحالة تصنيع الفايروس مختبرياً. اظهروا بيانات جينية بشكل لا يمكن دحضه أن السارس - كوف -2 غير مشتق من أي عمود فقري (سلسلة الجينوم الأساسية) للفيروسات الأخرى. بدلاً من ذلك، يتوفر سيناريوهين يمكن أن يفسرا بشكل معقول أصل السارس - كوف -2: (1) الانتقاء الطبيعي في مضيف حيواني قبل الانتقال للإنسان، و (2) الانتقاء الطبيعي في الإنسان بعد انتقال المرض له من الحيوان.
ماذا تتوقع مستقبلاً
مع استمرار انتشار الفايروس التاجي في جميع أنحاء العالم، فمن المحتمل أن يستمر في التغير. قد يجد العلماء سلالات جديدة. من المستحيل التنبؤ بكيفية تأثير تغييرات الفيروسات هذه على ما سيحدث بالنسبة لحدة المرض في الإنسان. لكن التغيير هو ما تفعله الفيروسات بالعادة!
* بروفسور الهندسة الخلوية، جامعة دبلن