لم يبد لي أمرُ المسلسل(أم هارون) ذا أهمية، أبدا،ً فهو كأي عمل درامي عربي أو خليجي بصورة أخص، لا يخرج عن كونه من الأعمال (الفنية) العابرة، وبالمستوى الذي تعودنا على معاينته،
أما عن حديث الناس على صفحات التواصل بخصوص المرأة اليهودية، التي عاشت في البصرة ومن ثم انتقلت الى البحرين أو إيران، فهذا يأتي من باب تعلق كل بتراثه وانتمائه إليه والدفاع عنه، في محاولة مشتركة للنيل من الآخر والفضل عليه والانتقاص منه، ولسنا في وارد حديثنا بمنشغلين بمثل هذا، أما إذا عرفنا المخفي من الأمر، والمتعلق بالتطبيع مع إسرائيل، والذي يطبخ خليجياً بوضوح فهو ما سنتحدث عنه.
ومع أن جملة الوثائق التاريخية الكويتية الرسمية لم تحدثنا عن جالية يهودية فاعلة بالحياة السياسية والاقتصادية في الكويت قبل اليوم، فالباحث الكويتي يعقوب يوسف الإبراهيم يذهب إلى القول إن تاريخ إقامة اليهود في الكويت، يعود إلى العام 1776 عندما احتل صادق خان، البصرة، التي أخليت من سكانها وبعضهم من اليهود. فيما يقدر الجغرافي الفرنسي فيتال كينيه الذي زار الكويت سنة 1890 عدد الكويتيين بنحو 20 ألف نسمة، من بينهم 50 يهودياً فقط، بما يعني أنَّ عددهم وبعد 114 سنة من دخولهم الكويت لم يتجاوز الـ 50 يهودياً، وبوضوح تام فأن المصادر الرسمية وغير الرسمية تؤكد على أنهم دخلوا الكويت من بوابة البصرة وليس غيرها.
ولعل مشكلة الكويت (الدولة) تكمن في كونها الأخ الأصغر في الأسرة العراقية الكبيرة، والذي يحاول جاهداً بلوغ قامة أشقائه الكبار، إذ أن ارتباط الكويت تاريخياً بالجغرافيا العراقية أصابها بمرض التصاغر، وهذا ما لم تشف منه، مع أنني اعرف الكثير من الأصدقاء هناك، ممن يقرون بذلك، وهناك أكثر من منصف كويتي، يصرح علناً بانَّ البصري- العراقي خالُ الكويتي. والكويت كمدينة وسكان، بلاد تأسست حديثاً، ولم يعرف سكانها الاستقرار والتمدن إلا بعد اكتشاف النفط، وجملة العلاقات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لم تتبلور إلا في بحر الـ 100 سنة الماضية كأبعد احتمال، وهذا عمر فيزياوي لا يمكن مقارنته بعمر البصرة، التي تأسست قبل أكثر من 1400 سنة، حيث وضع عامل الخليفة عمر بن الخطاب عليها عتبة بن غزوان حجارتها الأولى سنة 14 للهجرة.
وأجدُ أن القضية لا تتعلق هنا بمسألة كون أم هارون كويتية أم بصرية، فهذا ما لا يستحق التوقف عنده، إذا ما تلمسنا جملة المشتركات بين المدينتين عبر التاريخ، لكنْ، يا ترى لماذا التصعيد بنغمة المصالحة مع إسرائيل في الخليج بخاصة؟ ولمصلحة من تنتج الدراما العربية أكثر من عمل يصب في قضية التطبيع مع الدولة اليهودية؟ ولكي لا نذهب في الإجابة بعيداً، نقول بانَّ المنطقة العربية تمر بأصعب أزمنتها، وهناك من يعمل على مسخ التاريخ الوطني للشعوب، وأنَّ السياسة الفاسدة في العراق تسهم الى حدٍ بعيد في التشويه والمسخ هذا.