في أصبوحة يوم 10 آيار 2020 :( شكراً مصطفى الكاظمي إنك أثبت مصداقية توقعاتنا فيك يوم لامنا كثيرون..وصبراً، فإن العراقيين أصعب خلق الله في علاقتهم بالحاكم)،عتب علينا بعضهم بقولهم (ليش تحجي عالعراقيين اهوايه / وين المساكين أصعب خلق الله وي الحاكم..واحد كادهم مثل الغنم للحرب وصفكوله وهوسوله، أو واحد سواهم غنم لا صوت ولا صوره/ والله العراقيين أفقر منهم ماكو بالدنيا )
مقولتنا هذه كنا نشرناها من زمن بعيد في صحف عراقية وحوارات تلفزيونية، مستندين في ذلك الى قراءة سيكلوجية تمتد لأكثر من 1400 سنة . فالخلفاء الراشدون كانوا يراعون العراقيين في التعامل ويأخذون اعتراضاتهم مأخذ الجد.وحتى قبل الإسلام، كان العراقيون يوصفون بأنهم ما استسلموا لضيم وما رضخوا لظالم ولا انبطحوا لسلطة ولهذا كانت اعتراضاتهم على الولاة متكررة. ولدى الجاحظ تفسير علمي لاعتراضاتهم هذه بقوله:( والعلّة في عصيان أهل العراق على الأمراء، إنهم أهل نظر وذو فطنة ثاقبة،ومع الفطنة والنظر يكون التنقيب والبحث. ومع البحث يكون الطعن والقدّح والترجيح بين الرجال والتمييز بين الرؤساء وإظهار عيوب الأمراء..وما زال العراق موصوفاً" أهله بقلة الطاعة والشقاق على أولي الرئاسة )..فالعراق هو البلد الذي تؤخذ فيه السلطة بالقوة المصحوبة بالبطش بمن كانت بيده،وهو البلد الذي نشأت فيه أكثر المدارس الفكرية تأثيراً" في الأخلاق والدين والسياسة( البصرة، الكوفة، بغداد، أهل الصفا، المعتزلة، المذاهب الخمسة..) التي نجم عنها سيكولوجيا الخلاف مع الأخر والميل الى الجدل.
والحقيقة المرّة التي افرزتها سنوات ما بعد التغيير أن معظم من كانوا يصفون أنفسهم مناضلين(ونستثني المخلصين منهم وهم قلّة) أفلسوا اعتباريا حين استلموا السلطة وازداد الشعب شقاءً ومذلّة ومهانة بوجودهم.
والتحليل السيكولوجي لهذا النوع من( المناضلين )هو أن طبيعة شخصياتهم من الصنف الذي يتحكم به دافعان:السلطة والثروة وكلاهما يتعارض مع النظام الديمقراطي الذي يؤمن بمبدأي التداول السلمي للسطة والعدالة الاجتماعية.ولهذا كانت كراهية العراقيين لحكامهم الديمقراطيين مشروعة، لأنهم تركوهم يعيشون في محن صنعوها،فعشرات آلاف الخريجين من حملة البكلوريوس بلا عمل،ومدن خربة،وقرى موبوءة..وعاصمة كان الشعراء يتغنون بها لجمالها تحولت الى أخطر وأوسخ مدينة بالعالم..وسياسيون صريحون وآخرون بأقنعة مقاولين تحولوا الى (حراميه) في شبكة من حيتان وأسماك متنوعة الأحجام..في أبشع وأجشع مافيا في تاريخ الفساد بالعراق،وسكوت على محاسبة فاسدين ومفسدين لأنهم محسوبون عليهم.
وليس صحيحاً ما قاله كاتب أميركي بأن العراقيين أغبياء في قبولهم بحكامهم الحاليين،وله نؤكد لو أن أميركا رفعت حمايتها لهم لرأيت كيف سيفرون من غضب العراقيين إليكم والى حلفائكم..وقد يكون حكم الكاظمي قد قرع الجرس صمتاً!العراقيون والكاظمي منذ أن ترشح أربعة لمنصب رئيس الوزراء (شياع السوداني، توفيق علاوي،عدنان الزرفي ،ومصطفى الكاظمي..قلنا بالنص ( إن الأمور ستؤول بالنهاية الى الكاظمي).ولقد تابعت مواقف العراقيين من يوم تكليفه فتوزعوا إلى أصناف: صنف يرى أن الكاظمي (منهم وبيهم ) ولن يستطيع فعل شيء لأنه خرج من رحم الأحزاب الفاسدة ، ولا داعي للعجلة فأحزاب السلطة هي التي جاءت به ، كلهم لا تنتظر منهم خيراً / وصنف يريد أن تنفذ كل المطالب بيوم وليلة:( ماذا عن الفاسدين وسراق المال العام؟ إذا لم نراهم في السجون فالوعود كلام)/ وصنف يسخر من واقع الحال(ماني بحال الراح ولاني بحال الجاي، بحال البير الشربو منه وبزو بيه، يلشاتل العودين خضر فرد عود لو هوه اكبر زوج لو احنه الهنود، وعوده..قبل الاكل لو بعده! )/وصنف يحتج:(يادكتور ماذا عمل الآن حتى تقدم له الشكر،هل الذين قبله طبقوا ما صدّعوا رؤوسنا وعلى رأسهم الشهرستاني الذي صدّر الكهرباء للخارج)..وصنف يعلل النفس بالآمال والتمنيات وهم الأقلية،وقليل جداً من قال له (عفارم) !
تحليل سيكولوجي
للعراقيين الحق في أن يشككوا بالسيد الكاظمي،لأن الذين وافقوا على توليه الحكم هم الذين أذاقوا العراقيين مرّ العذاب عبر سبع عشرة سنة من خلق المحن والترويض على الأذلال والخضوع بتوالي الخذلانات والخيبات. ولكن ليس صحيحاً أن يعتمدوا سيكولوجيا (الأعمام) بأن الكاظمي لا يختلف عن سابقيه،وعليهم أن يغادروها الى ما يقوم به من أفعال ثم يحكموا.ففي أول اجتماع لمجلس الوزراء أصدر السيد الكاظمي حزمة إجراءات بينها اطلاق رواتب المتقاعدين، والإيعاز باطلاق سراح الموقوفين من المتظاهرين،وإعادة الفريق عبد الوهاب الساعدي لجهاز مكافحة الارهاب التي ستثير مخاوف مليشيات تابعة لإيران.
وفي اليوم التالي (10 آيار) قام الكاظمي بزيارة هادئة ومفاجئة لمديرية التقاعد العامة ليتأكد بنفسه من تطبيق القرار،والتقى المواطنين في سابقة ما قام بها قبله أحد من حكّام الخضراء الذين أحاطوا أنفسهم بأفواج من الحمايات.
مؤشرات سيكولوجية
لأنني أوظف (أصبوحة اليوم) أحياناً لأغراض سيكولوجية فقد كانت آخرها:) الحاكم الذي بدأ منحازاً لشعبه ويخذله المحتجون (لأنه منهم) فأنهم يضطرونه إما الرضوخ لخصمهم أو المغادرة)..إليكم نماذج من إجاباتهم:
-معك حق، ولكنهم يحتاجون اثباتات أقوى لهول ما صار
-الاجراءات الصائبة التي تخدم الشعب ستقطع الشك باليقين ليكونوا داعمين
-أول أخطاء الكاظمي هو إحالة الحكومة السابقة على التقاعد بدل محاكمتهم
-(لازم ينطوه فرصة خو مو من أول يوم يصفي كل شي)
-رجل ورث سيارة مقلوبة ليس فيها بطارية وأجهزتها محطمة وخصومه يهددونه وتريد منه أن ينقلنا فيها .دعوه يصلح الأجزاء المهمة فيها لكي تسير أولاً .- اعتقد بدل أن يأمر بتشكيل لجنة تقصي الحقائق (وجيب ليل وأخذ عتابه) المتعلقة بالانتفاضة وما لحق من قتل وجرح واختطاف ،أليس من الأفضل أن يصدر أوامر باعتقال الطرف الثالث وبعض القيادات الأمنية وهم معروفون لديه كونه يرأس أعلى جهة أمنية في البلد.
-لقد دخل بيت الدبابير وبلا درع سوى انضمام الشعب الى جانبه فطريقه صعب ترى هل سيكسب ثقة العراقيين بحسن القرار وحكمة التدبير أم يكون زوبعة في فنجان كسابقيه نتمنى له التوفيق
نترك التعليق لحضراتكم ،ونختم القول بأن هناك قوى شيعية ستربك عمله وتكيد له.وإنه ما لم تُمنح له الفرصة باستخدام ذكائه وقيامه بإحاطة نفسه بمسشتارين مستقلين يقولون له الحقيقة ،ومالم يدعمه المحتجون بزخم سيكولوجي..فإننا سنضيع الفرصة التاريخية التي تنقل العراق من المحاصصة الى دولة مدنية مزدهرة ،لأنه ينفرد بامتلاكه ثلاث ثروات:تحت الأرض وفوقها وفي العقول،وعندها سيكون العراقيون..أجمل خلق الله في علاقتهم بالحاكم!