في واحد من أحاديثه يقول المعماري الشهير رفعت الجادرجي: إنَّ السحر سبق الدين، في تفسير الظواهر وتنظيم الحياة. وهنا، أنسب له معرفتي بهذه.
وفي حقيقة الأمر، فإن الأديان كلها إنما جاءت للتعبير عن حاجة الإنسان في فهم ما يدور حوله، وإعانته على الارتقاء بكينونته الى ما هو مفيد وحيوي، وفي تصفحنا للموروث الديني(السماوي والوضعي منه) نجده محرضاً على فعل الخير قبل أيّ شيء، قبل تسيسه لصالح أشخاص ما، أو جماعة معينة، قبل الاحتراب فيه وعليه، لكنَّ الحياة بطبيعتها المتحركة أفقدت الأديان قدرتها على المكوث طويلا في السؤال، وإعطاء المعاني الجامعة للاسئلة الكبرى، التي راح الإنسان يسألها في فهم ومواكبة التطور، ولعل الجمود الذي تمسك به الكهنة وملوك المعابد ومفسرو الأديان، وإصرارهم على المكوث في النصوص، كما هي، واقفة في الزمن، لا تتغير، غير متفاعلة معه، هو ما حرضه على البحث عن سبل جديدة في فهم ما يدور حوله.
ومن أجل توضيح ما يُشكل نقول: أصبح بحكم العادة أنَّ مفهوم الحلال والحرام (الدينيين) معيارٌ وحكمٌ في صلاح وفساد الانسان. غير مدركين ما يتوجب مراعاة فهم وإدراك ماذا حلَّ من انقلاب بهاتين المفردتين في أذهان الناس، فالحلال الشعبي لديهم هو أنَّ (الانسان الصالح) والمثالي هو من يصلي ويصوم ويحج البيت ويدفع الزكاة ووو.. والحرام الشعبي عندهم انَّ الانسان (الرجل الطالح) هو من لا يقوم بهذه الأفعال. دونما ملاحظة منهم في السلوك والعقل والنجاح والإنسانية وفهم الحياة كما يجب. تخطب المرأة لأبنها زوجة، فتسألُ عنه: لتجيب بأنه صائمٌ مصل. وبهذه الإجابة المبهمة تكتفي أسرة الزوجة وقد تقبل لأبنتها بهذا(الصائم المصلي) زوجاً، جديراً بابنتهم، أما التفاصيل الأخرى فلا أحدَ يعيرها انتباهةً.
ذهب الناخب العراقي لصندوق الاقتراع وانتخب الصائم المصلي، كثير التردّد على مكة وكربلاء والنجف، ذا التاريخ النضالي العريق في التصدي للنظام السابق، فماذا كانت النتيجة؟ فساد ولصوصية وخراب بلاد. وزوّجَ الرجل ابنته الرجل الورع، صاحب الكرامات، الذي لا يأتيه الباطل من أمامه ولا من خلفه، فماذا كانت النتائج؟ تزوج عليها ثانية وثالثة ورابعة وطعنها في كرامتها، ولم يعطها حقها في الحياة، أغلق عليها أبواب حريتها. أكتب هذه وأمامي صور زوجات أحد كبار المسؤولين الأربع لأقرأ حجم الظلم في عيونهن.
كلما تعاطت الحياة مع الطبيعة بجمالها ومع الفن والشعر والموسيقى ومآلات الوجود الكبرى وجدتها أجمل وأجدر بأن تعاش. ترى، هل هناك منْ يتعاطي مع مفردات مثل هذه؟ وهل يجد الإنسان حياته إلا في هذه؟ الحلال أن تكون إنساناً كامل الإنسانية، والحرام أن تكون حيواناً كامل الوحشية، وما بينهما لا وجود ولا كينونة لك. الحلال انْ تتمسك بخيط الأمل الذي مبعثه الطفل الذي ولد تواً، والحرام أن تظل ممسكاً بلحية الكاهن، الميت، والواقف في الزمن، الحلال أن تخشى على النحلة وأنت تهشها عن صنبور الماء، الذي تغرف منه حاجتك، مخافة تكسر أجنحتها، والحرام أن لا تبالي بها، والحلال أن تذهب بكليتك الى مواساة الأمّ التي هجرها زوجها، فيما الحرام كل الحرام أن تراودها عن نفسك.