لا يمكن لحياة، أيّ حياة أن تستقيم بالكذب والتدليس والنفاق، ولن تقوم لها قائمة في النفع والانتفاع المتبادلين ما لم تبنَ على أساس جملة الحقائق فيها، ويؤسفني أن أقول: إننا نحن العراقيين أبعد ما نكون عن الاعتراف وقول الحقيقة، فحياتنا مبهمة وملغزة جداً، ولا أسيء لأحد هنا،
إذا ما علمنا بأن نظامنا الديني- القبلي- الأخلاقي أسهم بشكل فاعل في خلق منظومة تفكيرنا وأقوالنا ومواقفنا أيضاً، وأنَّ آلية الكذب والتدليس والنفاق ربما كانت قوام حياة أهلينا التي ورثناها من قبل، والتي لا يمكن لهم استخلاصها (الحياة) إلا عبر المنظومة الشائنة هذه.
يقول أحد الباحثين في التاريخ العربي الإسلامي بان مفردة (نفاق) لم تكن متداولة في مجتمع مكة قبل الإسلام، أبعد من استعمالها في نفوق (هلاك) الحيوانات، ذلك لأن الإنسان في المجتمع المكي كان واضحاً في تعاملاته اليومية مع بعضه، فهو يحب أو يكره، يقبل أو يرفض، يستر أو يكشف، يهب أو يمنع ...لأنه كان منسجماً مع محيطه. وبحسب باحث آخر فأن أول ظهور لمفردة النفاق في القرآن كان في المدينة، حيث نزلت بحق بعض الذين آمنوا في الظاهر وظلوا على كفرهم في الباطن، رهبة من سيوف المسلمين، وهو يجعلها بذرة النفاق الأولى، لذلك لا يمكن لنا أن نلقي باللائمة على مجتمعنا هنا دون أن نشير الى الظاهرة الغائرة في التاريخ، والمسحوبة منه. ولا نريد إلا أن نذكر بواقع حياتنا في فترة حكم النظام السابق، ونصف أحوالنا في ما كنا نظهره ونبطنه من حب وكره، من قبول ورفض، من كشف وستر في انتمائنا للنظام ورأسه، تفادياً للموت وطمعا في حياة أكثر دعة وطمأنينة.
في الصغر يجبرك والدك على احترام رجل الدين أو شيخ العشيرة، ويجبرك على تقبيل يده، ويأمرك بتقبيل أيدي أعمامك وأخوالك أيضاً، وأنت لا تعرف شيئاً عن استحقاقهم الاجتماعي الذي أفضى بك الى إحترامهم وتقبيل أيديهم، لكنك ودونما شعور منك تكون قدمُك قد وَضَعَتْ أولَ خطواتها على طريق النفاق والكذب والتدليس، حتى إذا صرت رجلاً عاقلاً وجدت الناس كلهم على خطوك، يحترمون ويقبلون ويكيلون المديح لهذا وذاك، حيث لا تنفع معك ساعتئذ محاولات التخلص من صنميتهم، لأنك ستصبح مطروداً من مملكة الذل والهوان التي وضعوك فيها، والتي لن تجد لحياتك معنى خارجها، اللهم إلا هربت في أرض الله الواسعة.
ربما نستثني واحداً أو أثنين، لكننا لم نسمع بين رجالنا، من وقف صُلباً في مسجد وأوقف خطيباً عن الكلام في مسألة كالطائفية، كذلك لم نسمع من أحدٍ كلمة حق قيلت بوجه نائب مرشح في ساحة عامة، في وقت راحت كلمات المديح فيه تكال له وتثني عليه. هل نحصي عدد الذين يعرفونه عن قرب، ومن هم على يقين من تزويره وكذبه وسابقته في السوء، ومثل هذه وتلك، يمكننا تسطيرها هنا عن المقاول الأمين، والأستاذ الكبير، والشيخ ابن الشيخ، ورجل الدين التقي... الخ. ما لم يبنَ إنساننا على التجرد من منظومة النفاق والتدليس والكذب هذه لن تقوم لنا قائمة. نحن أمة بحاجة الى مكاشفات حقيقية كبرى.