مهما كانت دوافع القتل الجماعي، مِن معارضة أو سلطة، يُعد عملاً إرهابياً، ليس فيه انتحاري شهيد سعيد، وآخر قتيل بائس. غير أن انتحاري «القاعدة»و«داعش» وغيرها مِن تنظيمات الموت، عدت انتحارييها ينعمون مع الحور العين، بالمعنى والموقف نفسه عدَّ حزب «الدَّعوة» و«المجلس الإسلامي الأعلى»، وفرعه المسمى بـ«المجاهدين»، يعدون انتحارييهم بالشهداء. فالانتحاري نفسه، لدى الطرفين، برمج دماغه لقتل (الكفار)، وفي الحالتين القاتل مَن جنّد الانتحاري.
لا نتحدث هنا عن مواجهة مسلحي المعارضة لقوات مسلحة حكومية، ولا أن الانتحاري يقتل نفسه ويكتفي بتخريب آلة حكومية، نتحدث عن القتلى الأبرياء، الذين كلٌّ منهم قطع وعداً لأطفاله بالعودة إلى المنزل! مَن ذهب إلى سفارة لتصديق أوراق، أو إلى مكتب خطوط سفر، أو مراجع لوزارة، أو مغني وصل الإذاعة لتسجيل أغنية، فجرهم "المجاهدون"!
إذا اعتبرنا التفجيرات التي قامت بها جمعات الموت أعمال إرهابية، لأنها أدت إلى قتل الأبرياء، فبماذا يُراد منا تسمية التفجيرات التي قام بها جهاز «حزب الدعوة» المختص بهذه الأعمال، وجهاز «تنظيم المجاهدين»، وهو يحوي أصحاب عمائم وبينهم الآن يُنادى بآية الله؟!
ظهر في مقابلتين منفصلتين، قيادي في «الدعوة» وآخر كان ضمن «المجاهدين»، تشعر الأول يفخر بما حصل للسفارة العراقية في بيروت بتاريخ (15/12/1981)، وكان الانتحاري شاب يُدعى أبا مريم، أُعد لمهمة التفجير، بعد الحصول على رقم سيارة تابعة للسفارة، فقادها وهي محملة بالمتفجرات، وراح ضحيتها العشرات، بينهم مراجعون عاديون، فهل كان هذا العمل عمل مناضلين، مثلما يدعون، أم هو عمل إرهاب؟! اعتبر هذا القيادي أن تفجيراتهم موجهة إلى دوائر التخريب الثقافي؟ّ! فأيّ مِن الضَّحايا له علاقة بهذا الأمر؟!
حصل أن استضافتني قناة «العراقية»، في أيام وزارة أمين «الدعوة»، وسألني مُقدم البرنامج عن فتوى ابن تيمية (ت728هجرية) في «التترس»، وعن تنفيذ «القاعدة» لها؟ ونص الفتوى التي لم يعرفها المُقدم: «فإن الأئمة متفقون على أن الكفار لو تترسوا بمسلمين، وخيف على المسلمين، إذا لم يقاتلوا: فإنه أن نرميهم، ونقصد الكفار..»(النجدي، فتاوى الشيخ ابن تيمية). شرحتُ له ذلك وأكدته، واستدركتُ: لكنَّ قبل القاعدة بسنوات، طبق «الدَّعوة» هذه الفتوى، في تفجيراته التي راح فيها الأبرياء! وما أن نطقتها إلا قُطع الاتصال! توقعت ذلك، لعلمي أن شبكة الإعلام العراقية كانت «دعوتية» مِن خزينة العراق، وليست عراقيّة!
أخذ الآخر يفخر بتفجير وزارة التخطيط، وكان الانتحاري «أبو بلال»، شاباً، هرب من الموت لتعيده جماعة «المجاهدين» إلى الموت، أشرف على تجنيده معمم يعيش بأوروبا، لم يرسل أحد أولاده. مرَّ أبو بلال على أحد معارفه بحي السيدة زينت بدمشق، يحمل كيساً فيه كفنه، رمزاً لإقدامه على الموت، كانت وصيته بعد موته أن يُدعى ب«أبي عبد الله»، كي لا يؤخذ أهله مِن قِبل النظام بجريرته. لكنَّ المجاهدين لم يتقيدوا بوصيته، وسموا قاعة بكنية أبي بلال بدمشق، المهم نال أبو بلال اسم قاعة، وعبارة «رضوان الله عليه»! أما مجندوه مِن المجاهدين فأخذوا العقارات والقصور.
جُهِّزَتْ لأبي بلال سيارة محملة بالمتفجرات، ودخل بها إلى وزارة التخطيط بتاريخ (1/8/1982)، وحسب شاهد عيان، اختلطت الأيدي بالأرجل في قيظ بغداد اللاهب. هذا هو جهاد «القطبيين»، وتنفيذ «التترس»؟! فمَن كان عند بوابة الوزارة غير الأبرياء؟! ليس غريباً أنه بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية توقفت العمليات، فهل نُفذت بنوايا وطنية حينها؟!
اعتمد إسلاميو العراق، في ثقافتهم على كتب قطب، التي منها تُشم رائحة الموت، ووفقها أصدر فقيههم كاظم الحائري كُتيب «دليل المجاهد»، فتاوى قتل في قتل! وما زالت ميليشياتهم ملتزمة بالدليل، أليس «قنص» سبعمائة متظاهر مِن تلك الثَّقافة؟! إذن، ليس الفارق بين «داعش» السُّنية و«داعش» الشّيعية سوى الأسماء.
أقول: لابد من مراجعة تلك المقاتِل، ليقف المسؤولون عنها أمام العدالة، مثلما يقف كلُّ قاتلٍ مِن النظام السابق واللاحق أمامها، فالدماء واحدة متساوية، فليس هناك تفجيرٌ حلالاً وآخر حراماً.