جان مارك بارتي *
ترجمة : عدوية الهلالي
هل يشكل وباء كورونا الذي نشهده نقطة تحول في التاريخ الراهن للكوكب ؟...سيتغير العالم بالضرورة بعد هذه الأزمة الصحية والاجتماعية ..تتداول جميع القارات هذه الجملة مثل نغمة مكررة ،
إذ يرى المتفاءلون أنه في الوقت الذي سيكافح فيه العالم للتعافي من الوباء الرهيب الذي لم ينتهِ مساره المميت بعد ، فأنه على استعداد للبحث فيه مجدداً والانفتاح على آفاق أخرى ..فهنالك أنصار الثورة الرقمية – على سبيل المثال – الذين يفكرون بتشكيل أنماط مختلفة للإنتاج وبناء منظمات عمل جديدة ، ومثلهم مؤيدو الثورة البيئية الذين سيعرفون كيف يستفيدون من هذه الأزمة لتطوير طريقة جديدة لإدارة الموارد الطبيعية ..أما البعض الآخر فيرون بأن العالم لم يواجه تأثيراً على نشاط البشرية بقدر تأثير هذا الوباء ، لذا حان الوقت لبناء عالم جديد ، ولكن ، هل نحن على يقين من أن العالم سيتغير فعلاً ؟!
لقد مثلت الحربان العالميتان اللتان شهدهماالعالم مراحل أساسية من التحول التاريخي ، وخاصة في أوروبا ، إذ قادتا الى تبني إصلاحات تهدف الى تحقيق العدالة الاجتماعية واعقبتهما خطوات من التوسع الاقتصادي المتعاقب ، وتمكنت الدول بفضل رجال الاقتصاد المتمرسين من الاستثمار في مجالات عديدة وبالتالي إعادة بناء البلدان المدمرة وتصنيع السلع الاستهلاكية ..
ولكن ، من الواضح إننا لانعيش في وضع مماثل ، فالأمر يتعلق اليوم بالبحث عن موارد اقتصادية جديدة أكثر من السعي الى إيجاد موقع في التصنيف العالمي للحد من التفاوتات المختلفة وعدم المساواة ..فلاتزال التهديدات بتوازن العالم قبل الوباء قائمة وتتفاقم ، كما أن الجوع لن يزول لأنه يتعلق بعشر سكان العالم تقريباً وستزيد الاضطرابات المناخية من الاختلالات القائمة في العمل طالما لم يتم وضع حل للبؤس والفقر ..
لايوجد متسع كبير للتفاؤل كما يبدو ، وعلى الرغم من ذلك ،إذا كان هذا الوباء من أسوأ أعداء الإنسان ، فقد يكون أفضل صديق له أيضاً إذا فكر في الغد ، وكما قال ايميه سيزير :" القوة الحقيقية هي في النظر الى الغد "
في نهاية المطاف ، سنتغلب حتماً على هذه الأزمة ، لكن الكثير من الناس سيموتون ، وسيتأثر الاقتصاد بشدة وسيبقى خطر الوباء قائماً ، لذلك ، يجب ألا نمنح الأولوية للانتعاش الاقتصادي فحسب ، ولكن أيضاً من الضروري إنشاء آلية قوية متعددة الأطراف لضمان ألا يحدث وباء مماثل ، إن لم يكن الأسوأ ، مرة أخرى ...
لن يكون هنالك جدار ، مهما كان عالياً ، يكفي للوقاية من الوباء التالي ، ولن تكون هنالك تهديدات كبيرة أخرى لمستقبلنا ، لكن ماستمنعه هذه الجدران العالية هو تداول التقنيات والأشخاص والأموال ، وقبل كل شيء الأفكار وإرادة التعاون الجماعي التي نحتاجها لمواجهة الأوبئة وتغير المناخ ومقاومة الإرهاب والتهديدات العالمية الأخرى ..فالعالم قبل وبعد فايروس كورونا لايمكن أن يكون هو نفسه ، لذا علينا أن نتجنب الأخطاء التي ارتكبت خلال القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين عبر إجراء إصلاحات أساسية لضمان اننا لن نواجه تهديد الأوبئة مرة أخرى ..فإذا تمكنا من العمل سوياً داخل دولنا لتحديد أولويات احتياجات جميع مواطنينا ، وعلى المستوى الدولي للتغلب على الانقسامات التي أسهمت في تكثيف التهديدات الوبائية ، فقد يكون هنالك نظام عالمي جديد مختلف يمكن صنعه بتأثير الخطر الرهيب لهذا الوباء ، من خلال تعلم التعاون الذي لن يساعدنا على تعلم كيفية السيطرة على خطر الوباء التالي وحسب بل على كيفية التعامل مع التغير المناخي والتهديدات الأساسية الأخرى ...لقد حان الوقت إذن للبدء ببناء الجسور اللازمة بيننا في بلداننا ومع العالم ....
* كاتب ومحلل نفسي فرنسي