تفضّل قناة الجزيرة ان تصوغ بياناتها "الثورية" على طريقة مسرح "المونودراما" حيث الخشبة لا تتسع لأكثر من ممثل واحد يلقي من خلالها "منولوجًا" طويلًا بلا فوارز ولا تنقيط . صوت واحد لا يقبل الجدال.
سيقول البعض ما مناسبة هذا الكلام؟.. المناسبة أن قناة الجزيرة خرجت علينا بعنوان كوميدي مثير: "الحكم الشرعي في التطبيع مع إسرائيل"، وكأنها تريد أن تعطي للناس درسًا في التاريخ والدين، طبعًا لو أن هذا المانشيت ظهر في قناة لم تستضف بيريز ولم تتغن بمحاسن تسيبي ليفني، ولم تسجل سبقًا باعتبارها أول قناة تفتح قلبها وأبوابها لنتانياهو مثلما فتحت استوديوهاتها وجيوبها لكل من يثير الفتنة في العراق ويشجع على ذبح المدنيين، وان يصبح أفيخاي أدرعي ضيفا دائما عليها ، ونجد فيصل القاسم يستضيف المتشدد مردخاي كيدار، باعتاره مؤرخا ليقول صاحب الاتجاه المعاكس ان العرب شعوب تحب الخراب ، ووصفهم
بأنهم شر أمة أخرجت للناس ، وكان يتحدث بعنصرية وترافقه ابتسامة فيصل القاسم
منذ سنوات وقناة الجزيرة تريد أن تلعب دور الناطق باسم الجماهير العربية الثائرة، وهي نكتة لن يصدقها المشاهد العربي، لأن الجزيرة كانت وستظل ناطقة باسم أبو محمد الجولاني وقبله أبو مصعب الزرقاوي والظواهري ومعظم قادة الجماعات الإرهابية التي أصبحت الجزيرة مديرًا لحملاتهم الإعلامية.
يُبدي ابن خلدون أسفه وهو يختتم الجملة الأخيرة، من دراسته القيّمة عن نفسية الجماهير بالقول "فاز المنافقون"، والمنافقون هؤلاء، كما يقول عنهم ابن خلدون، هم سلاح الفوضى التي تصر الجزيرة على أنها "شو" إعلامي أكثر يشجع على قتل الأبرياء، وفتاوي تبيح ذبح المدنيين بحجة المقاومة.
وتتذكرون كيف خرج علينا ذات يوم الشيخ يوسف القرضاوي ومن على قناة الجزيرة وهو ينصب نفسه ناطقًا باسم السماء ليعلن بفاصل كوميدي، أن الله وجبريل والمؤمنين والملائكة، يساندون ويؤيدون ويخصّون بدعمهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
لم يكتف الشيخ ومعه الجزيرة بهذا الفاصل الكوميدي وإنما راح يشبه أردوغان بنبي الله موسى عليه السلام، ثم وصف أردوغان برجل الدولة القوي الأمين والقائد الذي يعرف ربه، وأعلن بدون أي صفة تؤهله لذلك أن تركيا هي دولة الخلافة، واسطنبول عاصمتها، فهي تجمع بين الدين والدنيا والعربي والعجمي، وينبغي أن تقوم عليها الأمة.
لا أريد أن أنقل المزيد من مواقف الجزيرة التي تريد ان توهم المشاهد بانها المدافعة عن القضية الفلسطينية ، لكنها في الوقت نفسه تشجع كل ما يساعد على الاقتتال الداخلي الفلسطيني .. وتصمت على العلاقات بين اسرائيل وقطر التي بدأت قبل اكثر من ربع قرن ، مصرة ان تطارد المشاهد ليل نهار مرسخة اعلاما انتهازيا وخطابًا مخاتلًا ومخادعًا .