بلادنا تتقاذفها عواصف متعددة الاتجاهات ، وازمات متفاقمة بضمنها الاقتصادية وما تسببه من تداعيات شتى، ذات صلة مباشرة بحياة المواطنين ومستوى معيشتهم وتمتعهم بالخدمات التي يفترض ان تقدمها الدولة، ولا سيما الصحة والتعليم والخدمات الأساسية.
والازمة الاقتصادية ليست بعيدة عن السياسة بل انها سياسية بامتياز، مرتبطة بمنهج الدولة وادارتها للموارد المالية والبشرية، وبحسن الإدارة والتوظيف السليم لعائدات النفط ، التي هي المصدر الأساس للموازنة العامة ، بشقيها التشغيلي والاستثماري.
ولعل المظهر الأبرز هنا هو ضعف او انعدام فاعلية القطاعات الإنتاجية: الزراعة والصناعة والخدمات الإنتاجية. ونظرا لكون التوظيف في مؤسسات الدولة لا يضمن استيعاب الاعداد المتزايدة من العاطلين، خاصة بين الخريجين وحملة الشهادات العليا ، فان المطلوب بإلحاح هو تنويع الاقتصاد وتخليصه تدريجا من طابعه الريعي .
لماذا تُرى لم يحصل هذا؟ ومن المسؤول عن ذلك؟ فيما اهدرت مئات مليارات الدولارات بطرق شتى، بضمنها السلب والنهب والفساد وإقامة مشاريع فاشلة او متلكئة استنزفت المليارات؟
وهروبا الى امام من الإجابة على هذه الأسئلة الحارقة ، يجري تكرار الحديث عن ان اقتصاد السوق هو الحل. والسؤال هنا لمطلقي هذا الحديث من المتنفذين: لماذا اذن لم تأخذوا به وانتم من يدير شؤون البلاد في كافة المجالات منذ ٢٠٠٥ حتى اليوم؟
اذا كانت هناك نية معالجة جادة ، ولو بعد كل هذا الهدر من المال والوقت ، فمن الواجب الاعتراف قبل كل شيء بالفشل في إدارة الدولة ، وفي الميادين الأساسية: السياسية والاقتصادية والأمنية ، وتبني منهج مختلف في بناء الدولة وادارتها بحيث تذهب إيرادات النفط حقا الى تنمية حقيقية ، بدل ان تستقر في جيوب الفاسدين والمرتشين، او تهرب الى الخارج عبر “مزرف” مزاد بيع العملة، لتمول شراء الفلل والقصور والعمارات في مدن العالم المختلفة.
ومن حيث المبدأ اذا كان المقصود باعتماد اقتصاد السوق تنمية القطاع الخاص الوطني، فالمطلب مشروع والحق يقال. فماذا قدم المتنفذون لانعاش هذا القطاع؟ وهل تم توفير الحماية للمنتوج الوطني، ام ان الحدود يجري فتحها لحسابات خاصة ضيقة وممالئة لاجندات خارجية ؟
ونضيف: ماذا ابقيتم من ملكية قطاع الدولة؟ وهل اعدتم تشغيل المشاريع والمصانع المتوقفة ، ام واصلتم تصفية هذا القطاع بشتى الطرق والوسائل ، بينها يافطة الاستثمار التي لا تعني في عراقنا اليوم الا بيع ممتلكات الدولة باسعار بخسة.
ان الحلول موجودة، وقد قُدمت عدة خطط للتنمية الوطنية ، فماذا حققتم منها؟
لقد صار المواطن يدرك بتجربته، ان المتنفذين الفاسدين بحديثهم عن التنمية لا يقصدون الا تنمية مواردهم الخاصة، وتكبير كروشهم!
لذلك يبقى الحل الاسلم والامثل بيد المواطن، ليواصل ضغطه وليقول كلمته الفصل في انتخابات مبكرة، توفر لها مستلزمات العدالة والنزاهة والشفافية.