شهدت مصر، عام 1933، تنظيمات شبه عسكرية، على غرار الكتائب الفاشية والألمانية - في ذروة تصاعد الحركتين- وأقدم مِن تُذكر بتنظيمات الفتوة القديمة(ابن العمار، كتاب الفتوة)، التي كان يستغلها رؤساء المذاهب والخلفاء، يُزج في داخلها الشَّباب، فيوجهون ضمن نظام خاص، برايات وزيٍ موحد.
ارتدى الفتيان المصريون ثلاثة ألوان مِن القُمصان، تتميز بها فتوة كلّ حزب: الزُّرق لحزب الوفد، والخُضر لـ«مصر الفتاة، والصُّفر للإخوان المسلمين، والأخيرة سميت بفِرق«الجوالة»، انسحب أصحاب القمصان الزُّرق والخُضر مِن الواجهة، وظل أصحاب القُمصان الصُّفر في معسكراتهم، يُستخدمون في المسيرات مع «القصر» أو ضد الوزارة.
طُرح ذلك في كتابٍ، على مستوى مِن الأَهمية والتَّوثيق، عنوانه «الإخوان المسلمون والغرب.. تاريخ العداوة والارتباط» لمارتن فرامبتين، الأكاديمي في جامعة كوين ماري بلندن، صدر بالإنجليزية (2018)، ثم أصدره مركز الملك فيصل للبحوث والدِّراسات الإسلامية بالرياض مترجماً إلى العربية(2020) بمجلدين، تناول تاريخ العلاقة بين «الإخوان» والغرب، منذ الثَّلاثينيات وحتى (2010)، مروراً بتنظيمهم اَلدَّوْلِيّ، الذي نشط(1982).
جاء الكتاب جديداً في موضوعه وتوثيقه، على خلاف ما شاع مِن أن «الإخوان» حصلوا الدَّعم البريطاني منذ النشأة، إنما الدَّعم الغربي المالي والمعنوي الأول حصل عليه «الإخوان» مِن ألمانيا الهتلرية، وكان الواسطة بينهما الشَّيخ أمين الحُسيني (ت1974)، القريب مِن حسن البنا(اغتيل 1949)، بل ظل «الإخوان» يكسبون الشَّارع والقوى الوطنية المصرية بإعلان العداوة لبريطانيا، عبر قضيتين: فلسطين وقناة السُّويس، اللتان منحتهما العذر بالتَّدريب وحيازة السِّلاح.
لكنّ قبل سقوط النَّازية، وانتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثَّانية، بدأ التقارب «الإخواني- الأميركي»، عندما فتح الأميركان قناة مع «الإخوان»، وكانوا ينتقدون الإجراءات المصرية والسياسة البريطانية، في اعتبار «الإخوان» جماعة متعصبة وصولها إلى السُّلطة سيكلف كثيراً، ضد كلّ ما يتعلق بالحداثة والغرب، على اعتبار ذلك يتعارض مع الإسلام.
حسب الكتاب، حاولت الجماعة في عهد مؤسسها ومرشدها الأول، أن تبقى دعوية أخلاقيَّة، تحاول إصلاح المجتمع مما يُسَمّيه «الإخوان» بِالرَّذِيلَةِ، وهكذا بدأ البنا، قبل التّأسيس، وبعد اجتماعه بستة أنفار، وهو في الحادية والعشرين، أعلن نواة تنظيمه بالإسماعيلية، ويومها كان يجمع بين السَّلفية والصُّوفية.
بعد الانتقال إلى القاهرة، لم يعد الإصلاح بالممارسة الفردية، على طريقة المطاوعة مجدياً، فصار إلى العمل العمل السِّياسي والتَّطلع إلى السُّلطة، إلا أن «الإخوان» جماعة رفضت الخضوع لقانون التنظيمات، الذي أصدره وزير الدّاخلية الوفدي فؤاد سِراج الدِّين(ت2000)، كشرط مِن شروط العمل الحزبي، لأنه يلزمهم بقوانين الدَّولة، بما يخص الأموال والعلاقات الخارجية، وهذا ما لا يرغبون به، أخذ البنا يربط بين الإيمان والسياسة، قائلاً: «أستطيع أن أجهر في صَراحةٍ بأن المسلم لن يتم إسلامه إلا إذا كان سياسياً»،(مارس1938)، أما إعلامهم الحزبي فكانت صحيفة «النَّذير»(1938) .
طرح الكتاب التقلب «الإخواني» حسب المصالح، ويُفهم مِنه أنهم كانوا في ضفة والدِّين على أخرى، فعلى الرَّغم مِن العداوة الشَّديدة بينهم وبين بريطانيا، إلا أنهم بعد اغتيال مؤسسهم، قام خليفته حسن الهضيبي(ت1973)، بمباحثات مع البريطانيين، وقبل ذلك وصل سعيد رمضان(ت1995) أحد قياداتهم وزوج ابنة المؤسس، إلى واشنطن بدعوة مِن الخارجية، كان الأميركان يعترضون على أيَّ إجراء حكومي مصري ضد «الإخوان»، وبالتنسيق مع البريطانيين، مع ما بين الاثنين مِن تنافس على كسب الجماعة.
كانت هناك قضيتان التزمهما «الإخوان»: يُقدمون أنفسهم للغرب أنهم جهة سلمية ومعتدلة، وللمجتمع العربي والمسلم أنهم سيحررون فلسطين بالقوة، والثَّانية العمل مع الغرب في«مكافحة الشّيوعية»، بعد انقسام العالم إلى معسكرين: الرَّأسمالي والاشتراكي.
جاء كتاب «فرامبتن» دراسة عميقة لقضية أتت على هامش البحوث التي تناولت «الإخوان»؛ ألا وهي التقلب مِن العداوة إلى الارتباط بينهم وبين الحكومات الغربية، ثم فتح ملف تنظيمهم اَلدَّوْلِيّ، والتغلغل بأوروبا وأميركا.
غير أن النتيجة التي يستخلصها الكتاب، أن «الإخوان» ظلوا حريصين على إقناع الغرب أنهم «الناطقون الأساسيون باسم الإسلام، الذي ينبغي للسلطات أن تُصغي إليهم»؛ ويأتي هذا الادعاء لتوفير غطاء غربي لعملهم السِّياسي بالمشرق المسلم، مقابل خدمة سياسية وقت الحاجة.