المتابع للمشهد السياسي العراقي المضطرب والقلق، يجد فيه وفِي مواقف معظم القوى والكتل السياسية، خاصة الحاكمة والمتنفذة، العديد من الغرائب والعجائب والمفارقات.
من ذلك مثلا الجدل والنقاش الدائران بشان اعتماد المحافظة دائرة واحدة، أم دوائر صغيرة، ام دوائر متعددة بعدد محدود أو ما يطلق عليه الدوائر المتوسطة . فبعض القوى المتنفذة تعلن انها تؤيد الدوائر المتعددة انسجاما مع موقف ”الشارع“ (لنلاحظ انهم يرددون كلمة شارع وليس حركة احتجاج اوانتفاضة ومنتفضين). علما ان القوى ذاتها تدعي في تصريحات علنية ان من في الشارع هم من الجوكرية والمندسين والمنفذين لاجندات اجنبية، غايتها تنفيذ “مؤامرة قذرة” ضد الحكم، والمقصود هنا الحكم المحاصصاتي الطائفي الاثني. بل ان بعضهم ذهب الى ان ٣ في المائة فقط هم من المتظاهرين الاصلاء!
واذا اخذنا الموقفين، وكلاهما مسجل ومعروض في قنوات فضائية، ووضعناهما في مواجهة بعضهما، فالحصيلة تكون ان تلك القوى المتنفذة ترقص على الحبلين، مرة تطري المنتفضين لان قسما منهم طالب بالدوائر المتعددة، وهو ما ينسجم مع مصلحتها أصلا وقد قالت به من قبل، مثلما طالبت بالنظام الرئاسي ولما تزل، والذي قال به بعض المنتفضين لاحقا.
ومرة، وفي موقف صارخ في تناقضه، تصب هذه القوى ذاتها جام غضبها على المنتفضين، لانهم “يحيكون” و”ينفذون” مؤامرة أمريكية – اسرائلية – إماراتية – سعودية، والبعض يلحق بها تركيا أيضا ودولا أخرى قد تكون في المريخ!
والغريب ان اعلان هذين الموقفين المتناقضين لا يفصله سوى اربع وعشرين ساعة!
و(على هل رنة طحينج ناعم) هناك العشرات من المواقف المتناقضة والمتقاطعة التي يجري تسويقها على انها مواقف وطنية اصيلة، ومنسجمة مع مطالب الشعب، في حين ان المنتفضين كانت شعاراتهم واضحة، والقصد منها جليّ يتلخص في الرغبة العارمة بالخلاص من الفاسدين والفاشلين. وهذا رغم رفع بعضهم مطلب الدوائر الانتخابية المتعددة، ظنا منهم بإمكانية حصول التغيير عبرها، وهو ما تلقفه المتنفذون وراحوا يعدلون قانون الانتخابات على وفق مقاساتهم، ولَم يستقروا على حال بعد بشأن حجوم الدوائر المتعددة وآليات تحديدها!
في جميع الأحوال، وسواء أصبحت المحافظة دائرة واحدة أم دوائر متعددة ، فان المواطن – الناخب هو من سيحسم الامر في نهاية المطاف، بوعيه وبادراكه مصالحه ومصالح الوطن.
ويبقى الامل قويا في أن لا يعض المواطن على اصبعه البنفسجي مرة أخرى!