إصلاح التعليم العالي: آفاق سوق العمل 2-2
بقلم : د. محمد الربيعي
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

الاختصاصات التقليدية

احدى الاختلالات التي يعاني منها نظام التعليم العالي العراقي هو كثرة الاختصاصات التي لا يحتاجها البلد او لا يحتاج الى هذا العدد الهائل من حاملي شهاداتها، وبالرغم من دعواتنا العديدة الى ترشيد التعليم العالي بوضع حد لمهزلة كثرة الاختصاصات التقليدية،

وتفاقم البطالة والبطالة المقنعة بين صفوف حملة الشهادات في هذه الاختصاصات، ما زلنا نرى إصرارا على استمرارية وجود اختصاصات اكل عليها الدهر وشرب، وليس لها فائدة تذكر، وتلك التي لم يعد يهتم بها الا القلة القليلة من الجامعات.

انتبهت الى هذه المشكلة جامعات الدول المتقدمة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، فبدأت ببناء وتطوير برامجها استنادا الى حاجة السوق ودرجة الطلب، وتبعتها في بدايات هذا القرن جامعات عدد من الدول كالهند والصين مما أصبح بناء برنامج جديد او تحجيم او الغاء او دمج برامج أخرى من الأمور الاعتيادية في هذه الجامعات بعد ان كانت البرنامج التقليدية تعتبر سابقا من المقدسات التي لا يمكن لاحد من المساس بها.

من الأمثلة على دمج الجامعات الاوروبية دمج جامعتي فكسيو وكلمار في السويد، وجامعة أوسلو والكلية الجامعة اكرشاس في النرويج، ودمج المعهد التربوي والكلية الجامعة لندن في بريطانيا، ودمج جامعة فستوك والاكاديمية المالية في بولندا، ودمج جامعات ستراسبورغ الأولى والثانية والثالثة في جامعة واحدة في فرنسا، ودمج ست جامعات في إيطاليا، ودمج ست مؤسسات للتعليم العالي والبحث العلمي لتكوين الجامعة التكنولوجية الدنماركية، بالإضافة الى دمج عدة جامعات ومعاهد وكليات جامعة في عدد آخر من الدول الاوروبية.

في عام 2009، أعلنت جامعة ولاية أريزونا عن إعادة تنظيمها الأكاديمي وشملت أكثر من اثني عشر من مدارسها وكلياتها ومعاهدها. وفي الوقت نفسه، قامت جامعة نورث إيسترن بإعادة هيكلة رئيسية ثالثة في خلال عشرة سنوات حيث قسمت الإدارة كلية الآداب والعلوم إلى ثلاث كليات أصغر وأعادت تصميم كلية العدالة الجنائية كمدرسة داخل كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية التي شكلت حديثا. وبررت التغييرات بأنها أحدثت لمساعدة "تحول الجامعة الى مؤسسة انتقائية أكثر اكاديمية وذات اهمية بحثية عالية". وفي عام 2010 خفضت جامعة أيوا الشمالية عدد التقسيمات الإدارية من أربعة إلى ثلاثة، مما أدى إلى الغاء منصب نائب الرئيس، وتقليم عدد من الكليات من خلال دمج كلية العلوم الطبيعية وكلية العلوم الإنسانية والفنون الجميلة. ونقل عن رئيس الجامعة قوله ان اعادة الهيكلة تهدف الى تعزيز العروض الاكاديمية وتقليل التكاليف الادارية لتلبية احتياجات الطلبة على أفضل وجه. وبالمثل، كانت استجابة جامعة شرق واشنطن لتخفيضات الميزانية هي إعادة تنظيم وحداتها الأكاديمية، بما في ذلك خفض عدد الكليات من ستة إلى أربع، وإعادة تشكيل عدة أقسام أكاديمية.

ومؤخرا فاجأتنا ماليزيا بمواجهتها لهذه المشكلة بأجراء لوزارة التعليم العالي بألغاء 38 برنامجاً أكاديمياً في 19 جامعة معلنة انها لم تعد ذات صلة بمتطلبات سوق العمل الحالية والمستقبلية، ولأنها لم تعد توفر فرص عمل للخريجين بناءً على طلب الصناعات الحالية. وجاء هذا الاجراء تماشيا مع جهود الحكومة لضمان قدرة خريجي المؤسسات العامة على إيجاد وظائف مناسبة لمجال الدراسة ولتجنب البطالة.

وتضمنت الإجراءات الماليزية عددا من التخصصات لبرنامج البكالوريوس في الرياضيات والكيمياء وعلم النفس الرياضي وريادة الأعمال والتجارة والعلوم الإسلامية والاعلام، بالإضافة الى برامج هندسية كانت الى زمن طويل تعتبر مهمة مما أدى الى اشباع السوق بالخريجين منها الهندسة الميكانيكية والإنتاج الصناعي وهندسة التصنيع وهندسة الاتصالات الكهربائية وهندسة الاتصالات الإلكترونية. وبناء على ذلك تم الايعاز الى جميع الجامعات في البلاد بضرورة إعادة تصميم برامجها الأكاديمية وفقًا للتطورات الصناعية ذات الصلة. وعلى جانب اخر فقد تم الاحتفاظ بتخصصات مثل التاريخ والأدب وتعليم الملايو لأنهم وجدوا ان هذه التخصصات مازالت صالحة لبناء الأمة والمجتمع.

وبالرغم من هذه الظواهر، لم تُوَلّد في العراق عمليات او تجارب جدية وواسعة لإعادة هيكلة مؤسسات التعليم العالي بحيث يمكن ان تسهم في استخلاص الدروس بشأن ما هو واضح من القضايا المشتركة والعالمية. فعلى سبيل المثال لم تقدم أي جامعة على إعادة النظر في هيكلتها الإدارية والأكاديمية ولم تسعى أية جامعة الى دمج الكليات والاقسام المتناظرة ولم يجرؤ أي نظام تعليمي على دمج الجامعات الصغيرة وتلك التي تقع في نفس المجال الجغرافي.

التعليم المهني والتقني

التعليم التقني والمهني يجب ان يأخذ الصدارة في الاهتمام بأنواع التعليم وأولوية على التعليم الأكاديمي العلمي والأدبي، وهذا يتطلب تغيير تقاليد التعليم العالي وهذا يعني احداث تغير جذري في نظرتنا الى اهميته وجدواه والى اعادة صياغة اولوياته. بما ان سوق العمل يحتاج الى الاختصاصات المهنية والتقنية لذلك فانه يتوجب على التعليم العالي تلبية احتياجات هذا النوع من التعليم وتوفير الفرص التدريبية لسد الفجوة الناشئة عن تراكم عجز الايدي العاملة لتلبية الطلب من قبل مختلف النشاطات الاقتصادية الوطنية. من المهم ان يتم تحديد الاحتياجات المستقبلية من التخصصات الفنية والتقنية وفقا للمعلومات المتوفرة بالعمالة المدربة، ووضع خطة استراتيجية متكاملة تتضح من خلالها الرؤى المستقبلية من التخصصات الضرورية بدلا من الاسراع في مشاريع غير مدروسة.

وهنا لابد من التذكير بتقرير صدر عن المؤتمر الدولي الثالث للتعليم والتدريب التقني والمهني المنعقد في شنغهاي عام 2012 تحديدا للمجالات الرئيسية للسياسات المتعلقة بالتعليم والتدريب التقني والمهني نرى ضرورة تبنيها ودفعها قدماً من قبل العراق بحيث يتسنى تحقيق التقدّم المرجو والضروري لكي نتمكن من مجابهة الأوضاع الراهنة وتحديات المستقبل، ويمكن ايجاز هذه المجالات بالعناوين الرئيسة التالية التي لا بد أن يتم تفصيل بنودها بالرجوع إلى ما يعترض العراق من تحديات تخص كلاً منها كالآتي:

1 - تبني أنماط جديدة تكفل الحكم الجيد.

2 - الاستجابة للطلب على التدريب المهني والتقني.

3 - السعي لتحقيق الأهداف الاجتماعية للتدريب المهني والتقني.

4 - تعزيز أساليب التعليم والتدريب التقني والمهني من خلال سياسات شاملة.

5 - تمكين المتعلمين.

6 - تحديث أساليب التعليم والتدريب التقني والمهني.

7 - نشر التعلم من خلال العمل.

8 - استثمار تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التعليم والتدريب التقني والمهني.

9 - توفير التمويل الكافي للنهوض بنوعية التعليم والتدريب التقني والمهني.

هذا، ويجب ان يأخذ التعليم التقني والمهني الصدارة في درجة الاهتمام بأنواع التعليم وأن تكون له الأولوية على التعليم الأكاديمي، وهذا يتطلب تغيير تقاليد التعليم، بالإضافة إلى تغيير النظرة الدونية للحِرَفِ والمهارات التقنية باعتبارها تكتسب بالخبرة والتدريب وليس بالدراسة الاكاديمية. لابد من القضاء على ثقافة "العيب" المهني المنتشرة في مجتمعاتنا، والتي تحول دون دخول الكثير من الطلبة الى المدارس والمعاهد والكليات التقنية.

في النهاية، نرى أن هناك ثمة حاجة إلى إصلاح نظام التعليم الجامعي بما يتضمن من مراجعة المناهج والبرامج بناء على احتياجات سوق العمل، كما وهناك حاجة إلى توسيع التعليم المهني والتقني، والى تعزيز قدرات ومهارات الخريجين، والتأكيد على أهمية تطبيق معايير الجودة والتميز وعلى تعزيز مهارات التفكير النقدي التي تساعد على فهم أفضل لتجارب وآراء الآخرين، وتعزز من القدرات على العمل مع مختلف الناس وفي مختلف الظروف.

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 22-09-2020     عدد القراء :  1494       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced