أيام قليلة تفصلنا عن ذكرى إنطلاقة التظاهرات في ١/١٠/٢٠١٩، وأسابيع معدودة عن ذكرى تحولها الى انتفاضة شعبية عارمة في ٢٥ تشرين الأول العام الفائت. السؤال هو: هل سيكون هذان التاريخان مناسبة لاستذكار الانتفاضة أم لإستمرارها وتجديد عنفوانها؟
وتبرز هنا أسئلة أخرى تتعلق بأسباب إندلاع الانتفاضة وبحصيلتها، مع جردة دقيقة لظروفها المحيطة ومفاعيلها المحركة والتحديات التي تواجهها والمخاطر المحيطة بها.
قد لا نختلف كثيرا بشأن أسباب إندلاع الانتفاضة، والتي يمكن تلخيصها تحت أربعة عناوين أساسية.
أولها يركز على الاوضاع المعيشية، وهي المحرك الأساس والفاعل الأهم في دفع الشباب للإحتجاج، وأمامنا المطالبات حتى اليوم بفرص عمل وبتثبيت أصحاب العقود والأجور اليومية. تلك الاحتجاجات دامت أشهرا قبل الانتفاضة، وكان العاطلون أهم قوة محركة لها، وقد قدموا الشهداء والضحايا. وحين نتفحص المشهد اليوم نلاحظ تردي الوضع المعيشي وليس تحسنه، نتيجة الازمة المالية والنقدية وتفاعل الازمة الاقتصادية، وتلكؤ الحكومة في طرح خطة تجديد إقتصادي، تخلص البلاد من الاقتصاد الريعي، وتوفر فرص عمل وتحدُّ من نسب البطالة بين الشباب خاصة.
اما العنوان الثاني فهو إنفلات الوضع الأمني، وعجز الحكومة عن ضبطه، حيث استمرار خطف الناشطين وتغييبهم وترويعهم، حتى تمدد الشعور بان اللادولة اقوى من الدولة. كذلك بقاء مطلب ضبط السلاح شاخصا ومعه الحد من إنتشاره، ومنع وجود المليشيات وتجريم أنشطتها، ومحاكمة أصحاب قرار قتل المنتفضين ومن رسموا خطة القمع الممنهج. اما حملات التفتيش عن السلاح فقد أخذت طابعا استعراضيا غير مُجدٍ.
كما يظل عنوان مكافحة الفساد متعثرا، فالاعتقالات الأخيرة ركزت على الخط الثالث والرابع من الفاسدين، ورغم الترحيب بها فانها لم تطل رموز الفساد، وان ما رشح من التحقيقات أكد الأدلاء بإعترافات مهمة تخص كبار طغمة الحكم.
اما العنوان الأهم وهو الإصلاح السياسي، فلا يزال اسير صراعات المتنفذين، ولم تسجل خطوة نحو تنفيذ مطلب الانتخابات المبكرة الرامي الى إزاحة الفاسدين والقتلة والفاشلين، باستثناء الاعلان عن يوم الانتخابات، وبقيت مسألة تشريع قانوني الانتخابات والمحكمة الاتحادية قائمة ، مع التلاعب الخطير بصياغة الاول، بما يلغى ضمنا العمل بقانون الأحزاب، وترك الباب مشرعا لمشاركة الأحزاب ذات الاذرع المسلحة في الانتخابات.
مما تقدم يتبّين ان شروط استمرار الانتفاضة ما زالت قائمة. فأسباب اندلاعها لم تُعالج، بل واستجدت عوامل اضافية كما سبق القول.
لكن هناك من يرى أن وجود الأسباب لا يؤدي بالضرورة الى تجدد الانتفاضة، فهناك تأثيرات جائحة كورونا، وإختراق حركة الاحتجاج من قبل أحزاب السلطة، والإحباط والانقسامات بالساحات، ودور مستشاري الحكومة و”ناشطيهم” الساعين حثيثا الى كسر الاحتجاج، والملوّحين بالوعود الكاذبة والمناصب والتعيينات عبر خطاب مداهن وخطير، واستغلال مواقعهم لتنظيم حزب خاص بهم بالاستفادة من قربهم من صاحب القرار.
ومع متابعة تحرك المحتجين، وتحشدهم للاحتجاج، يمكن توقع ان تشهد الأيام المذكورة إستذكارات مؤثرة للبطولات النادرة والتضحيات الجسام، ولنكران الذات العالي والتضامن الإنساني والاهداف الوطنية الكبرى، ولصور المتشحين براية العراق دون سواها، ولدور الشباب والحركة النسوية المقدامة.
لكن الفعل لن يتوقف عند حدود الاحتفاء بالبطولات ومشاهدها وصورها، بل سيكون الاستذكار عامل تحريك للاحتجاج كفعل كفاحي ولاستمراره، باعتباره الأداة الأساسية بيد الشعب لرد ظلم طغمة الفساد، ووسيلة تعبير المحرومين عن تطلعهم الى العيش الكريم.
ويقينا ان الاحتجاج سيستمر ما استمر الجور والظلم والحرمان.