غريبة أخبار هذه البلاد، بينما تصدّر خبر مقتل مواطن أمريكي أسود من قبل رجل شرطة الصفحات الأولى، ومقدمات نشرات الأخبار في دولة "الإمبريالي" ترامب، وخرج الشعب في تظاهرات لم تشهدها أمريكا في تاريخها تطالب بالقصاص من القاتل ومن جميع أفراد الشرطة ،
ينزوي خبر موت عائلة عراقية تحت أنقاض صاروخ تلوح به أحزابنا ليوم الضيق، في ركن مهمل من نشرات الأخبار واهتمام البرلمان، فيما الشعب لا يزال يتفرج على المأساة ، ويراهن كل فريق على " طائفته " بانها ستنقذه من شرور" الطائفة " الاخرى !!.
لا أنباء، فنحن الشعب الوحيد الذي لا يراد له أن يهدأ، لم نعد أكثر من أرقام في خطابات البرلمانيين، فيما ثلث الشعب تحت خط الفقر، والحكومة تبشّرنا بأنّ السلاح سيُصبح بيد الدولة حصرًا، أما الأحزاب فالسلاح مزدهر عندها بجميع أنواعه: قنابل يدويّة، رشاشات، صواريخ، وأيضًا مدرّعات إذا تطلّب الأمر. يا سادة "السلاح بيد الدولة"هذا أقصى ما تتمنّاه الحكومة، وأقصى ما نُفرح به هذا الشعب الذي ظلّ ساهرًا ليعرف ماذا سيقول البرلمان عن ضحايا الرضوانية، إنسوا أنّ الأجهزة الأمنية طبّقت بامتياز حكمة "لا أرى لا أسمع لا أتكلّم". يكره مسؤولونا الأرقام إلّا أرقام التأييد، وحسابات البنوك والسيطرة على المشاريع والمقاولات.. كلّ أرقام أخرى تتعلق بالاستقرار والتنمية بناء البلد مرفوضة ومكروهة، لأنها جزء من المؤامرة الدولية على التجربة الديمقراطية في العراق!.
كما نرجوك أن تلاحظ أنّ البعض لا يرى أيّ غضاضة في أن يهتف باسم دول الجوار بأعلى صوته، ويعلن الولاء الكامل لها، وكلّ ما هو خلاف ذلك في حاجة إلى رخصة من أصحاب السيادة! سبعة عشر عامًا والبعض لا يريد للعراق أن يصبح دولة مستقلة، منذ أيام والجميع ينتظر الإذن من إيران لتشكيل الحكومة العراقية، وحواس الكثير من الساسة متيقظة لمتابعة ما سيقوله السلطان أردوغان عن الوضع العراقي، ولكن المواطن العراقي مغيب يحضر فقط في أخبار العبوات الناسفة والأسلحة الثقيلة التي أصبحت تأتينا من كل عشيرة وتجمع قبلي.
في ظل هكذا إصلاح تصبح السياسة في العراق كأنها أوراق متناثرة من الشعارات والخطب الكوميدية، فلا واجبات ولا مسؤوليات تجاه هذا الشعب، بل "منـَّـة" اذا تنازل المسؤول وتمشى وسط حماياته في أحد الشوارع، و"منـَّة" إذا تواضع وتحدث مع الناس عبر سياج من الحمايات المدججين بالسلاح، و"منـَّة" إذا تكرَّم وحضر اجتماعًا للبرلمان يناقش قانونًا يهم الملايين، و"منـَّة" إذا وافق على أن يصافح المختلفين معه في الرأي! ، كفى بك داء أن ترى الموت شافيًا، قالها المتنبي قبل ألف عام وهو يردّ على وعود الحكام.