هناك أكثر من رواية تقول أن يزيد سلم رؤوس شهداء واقعة الطف إلى الأمام السجاد علي بن الحسين (ع) ، فألحقها بالأبدان الطاهرة في كربلاء يوم العشرين من صفر 61 هجرية، وروي عن العلامة الشيخ الشيراوي في كتابه (الأتحاف) أن رأس الحسين عليه السلام أعيد إلى جسدهِ الطاهر بعد أربعين يوماً ، وأكد الشريف المرتضى في ( مسائله)، وأبن طاووس في ( الملهوف على قتلى الطفوف )، وأبن حجر في ( شرح ألبوصيري ) فأصبح هذا التأريخ يوما يحتفى به في كل سنة ، متأثرين بيومٍ دام شهده التأريخ بنهضة شاملة فاعلة وميدانية ضد الباطل بفعل جهادي لأيقاظ ضمائر الناس وتحريك مشاعرهم وأحاسيسهم متجهة لتخليد هذه الذكرى الدامية لبعدها الوجداني والإنساني ضمن خارطة طريق ممنهج ومدروس مأخوذة من فكر الأمام المطالب بالأصلاح والتغيير في حكومة جده ، فأهميتها من خلال تسجيلها بيوم أربعينية الحسين صارت جسراً يوصل كحركة جهادية في امتداد واقعة عاشورا التي كان زخمها ذلك الزحف المليوني من مختلف أنحاء العالم نحو كربلاء الذبيحة ، والذي دفعني لكتابة عن أربعينية الحسين هو ذلك الزحف البشري أبتداء من أقصى جنوب العرق لحد كربلاء وتجدد المناسبة كل عام وبزخم أكبر وأوسع عن العام الماضي وشبابية بنسبة كبيرة ، أن زيارة الأربعين تشكل تجمع أنساني وعالمي من حيث الكم العددي الهائل ، إذ لم تسجل حوادث مؤسفة إلا ما ندر، وحين تتفحص ذلك التجمع البشري تجد أنهُ حقق أهداف متعددة ليس كعامل ديني فقط بل تؤشر دلالات في الأبعاد التربوية والعقائدية السياسية والإعلامية والثقافية بمجمعها تشكل حدثاً اجتماعيا غير مسبوقاً في العالم .
ولأن هذا الحدث التجمعي لزيارة الأربعين هو امتداد تأريخي لتلك الواقعة المروعة على جغرافية مدينة كربلاء التي اكتسبت شرف القدسية لاختيارها من قبل أبن بت رسول الله قائد واقعة الطف، والتي حصلت على شرف أول زيارة للصحابي الجليل " جابر الأنصاري " وبأعتقادي الشخصي أن زيارة الأربعين ليس لهدف ديني فقط بل أكسبها التأريخ أبعاداً اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية عقائدية.
أن واقعة الطف تختزل أقصر واقعة في التأريخ وأطول ملحمة في البقاء ، فأربعينية الحسين لا تعني البكاء على الأطلال وإنما تعني استحضار القيم والمبادئ التي حصلت من قائد هذه الملحمة الإنسانية والثورية والتي سطرت في سفر صفحات التأريخ ضروباً خيالية في الرجولة والإباء والفروسية وهو يقول : " مثلي لا يبايع مثله " وربما و ربما هي اقتحاميه وجرأة في أدانة الباطل بشعارات الثورة ورمزية أيحاءاتها وهتافاتها العلنية لامست شغاف القلب وصيرورة الذات البشرية في تبلور أرادة التغيير وأذكاء روح التحدي وكسر حاجز الخوف بروح التحدي المنبثقة من المدرسة الهاشمية في التربية العقائدية التي وظفت في كيفية ألحاق الهزيمة ولو معنوياً بالقوى السلطوية الشريرة وهدم عروشها ، فتلك عطاءات دم الحسين وولده وأصحابه .
لذلك نجد أن مناسبة " أربعينية " الحسين تستقطب فئات الشباب وتعمل على تحريك طاقاتهم الأيجابية وتثوير أفكارهم ، فالتواصل المعرفي يصل أوجه وبالتأكيد تصبح المسيرة المليونية لأحياء ذكرى الأربعينية مدرسة في تعليم الصبر والجلد والمطاولة في ترسيخ قيم الأيثار ، وأن القيم المعرفية وأنتعاش الفكر يتناغم مع هذه الشعيرة الأربعينية الخالدة وتوفر فرصة الألتقاء والمحصلة التواصل الجمعي الذي يبلغ اوجهُ في مركز أعصار الملحمة حتى تصبح فرصة ذهبية نادرة في ألتقاء الأنسانية بمختلف أصولها وأتجاهاتها بل قُلْ ألتقاء الحضارات العالمية .
والحقيقة التأريخية تؤكد أن الأمتداد المنهجي للفكر الحسيني وقف بجانب البشرية والشعوب المبتلاة بالحكم الشمولي ورموزها من الطغاة وأصبحت حافزاً للتغيير وكسر الأغلال وذلك لم يكن هدف الرئيسي لثورة الحسين أزالة يزيد بل نسف قاعدة الظلم والتعسف والأستعباد، فكان الأمام يرتجز بهذه الحِكمْ يوم عاشورا عند منازلة الأعداء: " إني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما ، هيهات منا الذلّة ، مثلي لا يبايع مثله " .
أخيراً/من الناحية العلمية المعرفية من غير المقبول أن نسمي زيارة الأربعين بالظاهرة لأن الظاهرة ترتبط بعوامل زمكنية ومؤهلات تصنعها، والأصح أن نسميها " شعيرة " ترتبط بشعائر الدين الأسلامي بفحواها الموضوعية والأنسانية وسمو الأهداف حيث طلب التغيير والأصلاح وتحقيق المدينة الفاضلة.
المصادر
قبس من شعاع الأمام الحسين / السيد الشيرازي
مقاتل الطالبيين / لأبي الفرج الأصفهاني
الشيخ الطوسي / المصباح
شرح الأخبار / للقاضي النعمان المغربي