في الأول من تشرين ارتفع مجددا منسوب الحيوية والنشاط في ساحات الاحتجاج والتظاهر، ليس فقط لاجل احياء ذكرى الانتفاضة الشعبية التي فرضت الكثير من التغييرات في واقعنا السياسي، بل ان المجاميع المختلفة جددت عبره الإصرار على المواصلة وفاء لدماء الشهداء ولتحقيق مطالب المنتفضين كاملة.
وقد صدرت عن الساحات في ارجاء الوطن بيانات وتصريحات اعادت التذكير بتلك المطالَب، وتشخيصها على نحو جلي دون لبس او إبهام، رغم كل المحاولات التي بذلت وما زالت من جانب القوى المتنفذة والمطبلين لها، للتقليل من قيمة تلك المطالَب وحصرها بقضايا جزئية (خدمات، تعيينات وما شابه)، فِي مسعى واضح - بعد ان عجزوا عن قمعها - للهبوط بسقفها والتعمية خصوصا على تلك المطالَب التي تنشد التغيير الذي يريده المنتفضون وغالبية أبناء الشعب، والذي يمس جوهر منظومة الحكم وما اعتمدته منذ ٢٠٠٣ من منهج وآليات وسلوك في ادارة الدولة، والذي ثبت فشله.
فمن جديد ردد المنتفضون شعار “نريد وطن” الذي لا يعني الا اعادة الوطن الى الشعب، وانتهاء حالة الاغتراب الذي يشعر بها الملايين من المواطنين، وليعود هذا الوطن الى أبنائه الذين تجمعهم المواطنة على اختلاف قومياتهم واديانهم وطوائفهم. والشعارلا يعني في نهاية المطاف الا إزالة أسباب “ ضياع الوطن “، والا الخلاص عمليا من منظومة المحاصصة والفساد المسؤولة، ومعها داعموها الداخليون والخارجيون، عما حل ببلدنا من مآسٍ وكوارث.
فيما ركزت ساحات الاحتجاج على القصاص من قتلة المنتفضين وممن اصدروا لهم ألاوامر، واجراء انتخابات مبكرة وعادلة وفق قانون يستجيب لحاجات وتطلعات الشعب في التغيير المنشود.
ومن المؤكد ان المتابع لما حصل في الأول من تشرين الحالي والأيام التي تلته، يسجل استمرار حالة السخط والتذمر والاستعداد للمواجهة وللضغط السلمي، من اجل انتزاع المطالب واجبار المتنفذين على الاستجابة لارادة الشعب .
ان وعيا يتراكم شيئا فشيئا، وذلك ما ينعكس جليا في الشعارات والاهداف والمطالب المرفوعة، وان من شأن هذا التوافق عليها ان يسهل عملية التعاون والتنسيق وتشكيل الأطر القيادية التي افتقدتها الانتفاضة حتى الان، رغم الكثير الذي حققته والتضحيات التي قدمت في مجراها. وهذا سيساعد على تحقيق الفرز بين المنتفضين الحقيقيين ، وبين “المتسلقين”، وهذا الفرز هو في الواقع قوة حقيقية للانتفاضة، وهو يصلّب نواتاتها التي عليها هي الأخرى ان تعمل جاهدة على مد جسور التعاون والعمل المشترك مع قطاعات أوسع، وان تنفتح على فئات وجماعات مهنية ونقابية وأحزاب وطنية داعمة ومشاركة. فالانتفاضة التي تشارك فيها وتدعمها الملايين، هي الاقدر على تحقيق غايات المنتفضين ومطامحهم.