لم تمض ِ سوى ساعات قليلة إثر تصويت مجلس النواب على ملحق قانون الانتخابات في جلسة السبت 10 /10 /2020، وإقرار تشريع الدوائر المتوسطة بما يجعل العراق مكونا من ٨٣ دائرة إنتخابية هي مجموع عدد كوتا النساء في مجلس النواب، والانتهاء من ذلك وسط مسرحيات هزيلة وتصريحات للمتنفذين بإدعاء الحرص على مطالب المنتفضين وتشريع قانون عادل ومنصف .. لم تمض ِ تلك الساعات التي أعقبت التصويت، حتى تصاعد رفض واستهجان ذلك التشريع الذي يصب في مجرى مصالح الكتل المتنفذة، ويكرس وجودها في السلطة، ويبقي هيمنتها على مصالح الناس، ويؤبدإستئثارها بالقرار السياسي، بالضد من الإرادة الشعبية المنتفضة بوجه اللاعدالة.
لكن التصريحات المداهنة للمتنفذين لم تصمد طويلا، بعد التصويت التسويفي المجانب للحق والعدل والانصاف. التصويت الذي يكرس نفوذ طغمة الحكم ويجدد استئثارها بالسلطة، بعكس ما طالب به المنتفضون ومعهم أبناء الشعب، الذين اكتووا بنار المحاصصة والفساد.
وقد تم تمرير التعديل المجحف في وقت صبر فيه العراقيون طويلا، وهم يتطلعون الى تشريع قانون للانتخابات غير تلك القوانين التي أسهمت في ادامة الطائفية السياسية في السلطة.وبرهن التصويت الالتفافي على المطلب الحق، مرة أخرى، ان لا رجاء من طغمة الحكم، ولا رهان على أي بصيص أمل يمكن انتظاره ممن تتركز أفعالهم وسياساتهم على صيانة مصالحهم الفئوية والحزبوية والشخصية والحفاظ عليها، دون ادنى إعتبار للشعب الذي قدم في إنتفاضة تشرين الباسلة التضحيات الجسام، البشرية والمادية.
إن المتنفذين الذين فاجأهم انطلاق الانتفاضة، وغاب عنهم تصور أن الشعب لن يسكت طويلا على الضيم والحرمان، وهو الذي فتحت انتفاضة تشرين بجسارة وصلابة لا تلين نوافذ الامل امامه في إمكانية التغيير، وانه شعب حي لا يهزم وقد تصاعد وعيه بحيث لا يمكن ان تخدعه الاعيب المتنفذين وفذلكاتهم. كما لم يعد يخدعه الخطاب المداهن لسلطة المال والفساد، وادعاءات رؤوسها الورع والتقوى، فيما الزيف ينضح منهم ويفضح ادعاءاتهم المتسترة بالدين والطائفة والقومية والمصالح العامة.
كما إن التصويت على قانون يكرس التقسيم الطائفي والعرقي ويعزز المناطقية، لا يعني بكل الأحوال قبوله من شعب الاحتجاجات المتواصلة على الظالمين، والأصرار على إعادة بناء النظام وفقا لمبدأ المواطنة المتساوية في وطن امن ومستقر، يؤمن الكرامة لشعبه ويحقق له العدالة والانصاف. وسيتسبب التصويت على ملحق القانون في أزمة جديدة، تضاف الى أزمات النظام المستفحلة.
ان عقلا لا يغادر الاستحواذ ولا يفارق التهميش لا يمكن أن ينتج حلا وطنيا ينال الرضا الشعبي. ومن أين لمن رهن إرادته للخارج أن يبصر حلا ينطلق من الإرادة الوطنية وينسجم مع الإرادة الشعبية المتطلعة الى تغيير بنية النظام وإصلاح وظائفه؟