في هذا اليوم - الخامس عشر من كانون الثاني/ يناير- تحل الذكرى الحادية والتسعين لرحيل المناضلة الأممية روزا لوكسمبورغ.
وتتزامن ذكرى إستشهادها مع جدل كبير يدور في ألمانيا منذ عدة أشهر من اجل حسم ما اذا كانت الجثة الغامضة التي عثر عليها في مبنى سفلي في برلين تعود فعلا للناشطة روزا لوكسمبورغ،التي تعتبر رمزا لحركة النضال الاشتراكية في العالم، والتي اغتيلت في العام 1919. تلك هي النظرية- بحسب وكالة الأنباء الفرنسية(أ.ف.ب )التي قدمها مايكل تسوكوس- مدير معهد الطب الشرعي في مستشفى "شاريته" التي نقلت اليها جثة المرأة المقطوعة الاطراف والراس والتي عثر عليها قبل عامين في غرفة تحت الارض من احد المباني موضوعة في نعش خشبي.وقال تسوكوس ان الجثة "فيها تشابه مثير للدهشة" مع روزا لوكسمبورغ التي لم تدفن على الارجح في برلين، حيث يتدفق الاف الاشخاص سنويا الى المكان الذي يعتقدون انها ترقد فيه.
وتصريحات تسوكوس التي ادلى بها في ايار/مايو اثارت بلبلة لدى الصحافة في بلد لا يزال يكرم "روزا الحمراء" الشخصية التي تعتبر رمز الثورة الاشتراكية التي قتلت في سن 47 عاما مع رفيقها في النضال كارل ليبكنيخت على ايدي مسلحين مناهضين للثورة.
واذا كانت نظرية تسوكوس غير قادرة على اقناع الجميع الا انها اثارت اهتماما لدى البعض الى حد ان كاتبا ومؤرخا تناول هذا الموضوع في كتاب صدرمؤخراً ويقع في 200 صفحة ويحمل اسم "رحيل روزا لوكسمبرغ- وثائق وتعليقات". ويؤكد فيه كلاوس غيتينغر ان روزا دفنت فعلا في المقبرة في برلين حيث يعتقد انها ترقد بعدما دمر النازيون ضريحها عام 1935.
وكان غيتينغر خصص كتابا في العام 2008 لاغتيال روزا التي كانت تدعو الى الاضراب السياسي لعموم الشعب احتجاجا على الحرب والبرجوازية.
وبالنسبة لسلف تسوكوس، رئيس معهد الطب الشرعي السابق فولكمار شنايدر فان "كل هذه القصة ليست سوى عملية علاقات عامة" اطلقها تسوكوس لكي يحسن مبيعات كتاب حول سلسلة حالات مهمة للطب الشرعي.
لكن الغموض المحيط بالجثة الموجودة في معهد الطب الشرعي يبقى شديدا لان الادلة القاطعة متناقضة بحسب قول بعض المتخصصين في الملف في اتجاه او في اخر. فبعد العثور على الجثة فتحت نيابة برلين تحقيقا بتهمة "الاشتباه بموت غير طبيعي" وعمدت الى اجراء تشريح لكن بدون التوصل الى اي نتيجة حاسمة حول الوفاة او هوية الضحية.وعند محاولة تحديد تاريخ الوفاة دلت الفحوصات على ان الوفاة حصلت في مطلع القرن العشرين. لكن تعذر مقارنة فحص الحمض النووي الريبي مع فحص اي من افراد عائلة روزا لوكسمبورغ.
ويقول تسوكوس انه عثر في الخارج على حفيدة قريبة لها لكن صلة القرابة كانت بعيدة جدا للتمكن من اجراء مقارنة جينية. ويقول تسوكوس ان هناك عدة مؤشرات تدعم نظريته، فالجثة الغامضة التي بقيت مغمورة لفترة طويلة بالمياه تعود لامراة يتراوح عمرها بين اربعين وخمسين عاما وتعاني من مرض في المفاصل وتشوه في الورك وهناك تفاوت في طول ساقيها. وهي مؤشرات كافية لتصف روزا لوكسمبورغ التي القيت جثتها في قناة في برلين. ويقول ان وثائق التشريح الذي اجري عام 1919 غير متماسكة ولا يمكن ان تؤكد ان الجثة التي اجريت الفحوصات عليها ثم دفنت هي فعلا لروزا لوكسمبورغ. لكن غايتنغر وشنايدر لا يصدقان شيئا من ذلك. ويرى المؤرخ يون شوترومف ناشر رسائل روزا لوكسمبورغ ان نظرية تسوكوس فيها شيء من المنطق لان "التقرير حول التشريح الذي اجري عام 1919 تم تزويره" بضغط من السلطات انذاك. لكن اللغز يبقى محيطا بهذه الجثة التي ستدفن قريبا في مطلق الاحوال(برلين- "أ.ف.ب"،8/1/2010).
لمن يود المزيد من المعرفة عن المناضلة والمفكرة روزا لوكسمبورغ أدعوه الى مطالعة الكتاب الجديد للكاتب والباحث الأكاديمي العراقي الدكتور صالح ياسر حسن، وعنوانه:"روزا لوكسمبورغ وإشكاليات التحليل الأفتصادي للرأسمالية"، الصادر عن دار الرواد المزدهرة للطباعة والنشر، بغداد، 2009، وسيتعرف على حياة لوكسمبورغ القصيرة والثرية، وأهم محطاتها، بالأضافة الى تحليلاتها الأقتصادية للرأسمالية.
الكتاب دراسة علمية تحاول فهم الخطاب الأقتصادي لروزا لوكسمبورغ ضمن الشروط الأجتماعية/ التأريخية التي جعلت ظهوره ممكناً وضرورياً.ويأتي إستكمالاً لسلسلة من الدراسات والأبحاث والمقالات العلمية التي نشرت للمؤلف في العديد من المجلات المتخصصة في العراق والعديد من الدول العربية والأجنبية، ولعدد من الكتب،أبرزها كتاب منهجي عنوانه:"العلاقات الأقتصادية الدولية-الأبستمولوجيا.. الأنطولوجيا..الأكسيولوجيا"، 2006، ويقع في 770 صفحة من القطع الكبير.والكتاب التالي: "الأقتصاد السياسي للأزمة المالية العالمية الراهنة- محاولة في فهم الجذور"، 2008، ويقع في حوالي 100 صفحة من القطع المتوسط.
الكتاب الجديد يدرس الخطاب الأقتصادي اللوكسمبورغي، بوصفه خطاباً متعدد الصُعد، يندمج فيه الأقتصادي بالسياسي بالفكري، السجال بالعلم الآيديولوجي بالممارسة السياسية..الخ.وهو كدراسة، لم يكن إنجازها سهلاً على الأطلاق، تطمح لأن تكون محاولة لتجاوز القراءة الأحتفالية لخطاب روزا لوكسمبورغ،أو القراءة التحليلية الصرفة التي تكتفي بالأنصات الساذج الى ما تقوله الكاتبة، فتكون بذلك إستعادة لكتاباتها،أو إعادة لترتيب تلك الكتابات مع " الأجتهاد" في إظهار الوحدة وقدرتها على "دحر الخصم الطبقي"- على حد تعبير المؤلف.
وقد هدفت الدراسة الى أنتاج تركيب يهدف الى إعادة بناء المشروع النظري لروزا لوكسمبورغ- في الحقل ألأقتصادي- بما يسمح في فرز حدوده وفعالياته التأريخية وقدرته على فهم الواقع الذي كان سائداً اَنذاك، وجدواه المعرفية، وراهنيته كذلك. وهي محاولة لتحديد وتحليل الأبعاد الفكرية التي تغذت منها روزا لوكسمبورغ وصاغت،إستناداً الى ذلك، مشروعها الفكري الكبير والمتنوع، ومساهمتها الأقتصادية الهامة في هذا المشروع.
بغية الإحاطة بالإشكالية المطروحة ، بجوانبها المتعددة، يتألف الكتاب من مقدمة و 7 فصول وخاتمة، مجموعها نحو 208 صفحات من القطع الكبير.
يقدم الفصل الأول، الموسوم:"مرجعيات الخطاب الأقتصادي اللوكسمبورغي" لمحة تأريخية مكثفة عن حياة روزا لوكسمبورغ، القصيرة والثرية، مع أهم المحطات فيها.ويبرز الخطاب اللوكسمبورغي: إطروحته المركزية، ومفاهيمه الكبيرة، التي قادت الى إرتقاء التحليل من مستوى المعارك السياسية المباشرة، الى مستوى الموقف النظري المتكامل، الذي يعبر في حد ذاته عن أكتمال العمارة النظرية التي إجتهدت لوكسمبورغ في بنائها حجراً حجراً، وهي تساجل وتصارع ضمن المعسكر الواحد- الماركسي- او مع المعسكرات الأخرى، في عصرها الصاخب المليء بالمعارك، وما أكثرها.
ويتناول الفصل الثاني:"الطريق الى النظرية- بواكير النظرية الأقتصادية لروزا لوكسمبورغ. ويتألف من 3 مباحث: الأول- يستعرض الأعمال الأقتصادية المبكرة، وأولها:تطور الصناعة في المملكة البولندية، الذي هو أول عمل إقتصادي للوكسمبورغ، وهو إطروحة علمية نالت عليها الدكتوراه في العلوم الأقتصادية دافعت عنها في زيوريخ بسويسرا عام 1897.ويعد أول عمل نظري كبير للوكسمبورغ.وثانيها:عملها الموسوم "إصلاح إجتماعي أم ثورة ؟".
المبحث الثاني- مكرس لمساهمة لوكسمبورغ بشأن ظهور التحريفية في الحركة العمالية الألمانية، ونقدها لطروحات منظري هذا الأتجاه. في حين يعرض المبحث الثالث الخطوط الأساسية لكتاب لوكسمبورغ الموسوم" مقدمة للأقتصاد السياسي".
وكرس الفصل الثالث للقضايا المثيرة للجدل بصدد إشكالية الأمبريالية والعمل الأقتصادي الرئيس للوكسمبورغ.ويضم 4 مباحث: الأول- يستعرض الأشكالية والفكرة الأساسية للكتاب المذكور، وهي الرأسمالية الصافية والظروف المحيطة بالعمل.الثاني- يوضح سعي لوكسمبورغ إثبات إستحالة التراكم في نظام رأسمالي مغلق، وتفسير ظاهرة الأمبريالية كأداة لتوفير شرط ( الأنتفاع) اللازم لتحقيق نمو الرأسمالية عبر التوسع.المبحث الثالث- يتناول نظرية الأمبريالية للوكسمبورغ ومقارنتها بنظرية الأمبريالية للينين.المبحث الرابع- مكرس لأشكالية تراكم رأس المال.
ويستعرض الفصل الرابع قضية التراكم في إطار تأريخي.وقد حاول المؤلف إستعراض ما بذلته لوكسمبروغ من جهد متميز لأبراز إتجاهات السجال حول مشلكة التراكم، وكذلك حول إمكانية تحقيق فائض قيمة.
أما الفصل الخامس فقد كرس للشروط التأريخية للتراكم/ سجال مع مخططات إعادة الأنتاج الماركسي.
وجاء الفصل السادس تحت عنوان:" نقد نقادنا أو تراكم رأس المال- النقد المضاد"، سعى المؤلف خلاله إبراز التعديل والتدقيق والتطور الذي حققته لوكسمبورغ وهي تتناول العديد من القضايا في إطار مساجلاتها العديدة، وردودها، ومجابهتها لإتهامات محددة.
وحاول الفصل السابع والأخير، الموسوم:تطور إتجاهات السجال بشأن العمل الأهم لروزا لوكسمبورغ " تراكم رأس المال"، تتبع المسار التأريخي لإتجاهات السجال حول هذا الكتاب.ويحتوي الفصل 4 مباحث: الأول- يستعرض نقد "تراكم رأس المال" من طرف منظري الأشتراكية الديمقراطية قبل الحرب العالمية الأولى.الثاني- مكرس لمتابعة تقييم التراكم من طرف الماركسيين في سنوات العشرينات من القرن العشرين، وخصوصاً من طرف لينين وبوخارين. الثالث- مخصص لمتابعة إتجاهات النقد الذي تعرض له التراكم منذ سنوات الثلاثينات وحتى النصف الأول من خمسينات القرن العشرين، الذي حددته وبدرجة كبيرة رسالة جوزيف ستالين الى هيئة تحرير مجلة " الثورة البروليتارية".والمبحث الرابع- يعرض التقويمات المعاصرة لـ "التراكم". ويمكن القول ان الأتجاه العام للتقويمات في هذه المرحلة يتمثل في "رد الأعتبار" لروزا لوكسمبورغ بإعتبارها ثورية كبيرة ومنظرة ماركسية مرموقة- كما يرى المؤلف.
وفي الخاتمة حاول المؤلف بلورة إستنتاجات وملاحظات ختامية حول "تراكم رأس المال"- العمل الأهم لروزا لوكسمبورغ، مشيراً الى ان العمل الذي أنجزته يُعدُ مساهمة نظرية وسياسية تعبوية مهمة،أغنت الفكر الماركسي والماركسية كذلك، وأضافت إليهما عناصر جديدة، وطرحت تحليلاتها ونتائج أبحاثها أسئلة جديدة، وإشكاليات جديدة.ففتحت الباب أمام معارك نظرية، وسجالات ساخنة، لم يخفت أوارها لحد الآن.وهذه هي قيمة العمل العلمي الرصين الذي لا يتحدد هدفه بالأجابة على أسئلة سابقة، بل ويطرح أسئلة جديدة تشكل منطلقاً للبحث اللاحق.ويمكن القول ان عمل لوكسمبورغ يدخل ضمن هذا الأطار بالفعل- برأي المؤلف.
إن كتاب:"روزا لوكسمبورغ وإشكاليات التحليل الأقتصادي للرأسمالية" هو دراسة علمية قيمة، إعتمدت على 93 مصدراً عربياً وأجنبياً متخصصاً وبعدة لغات.وهو أضافة جديدة للأبحاث الأقتصادية والفكرية الماركسية الحديثة،ومصدراً علمياً رصيناً للباحثين والدارسين في هذه المجالات، ويغني المكتبة العربية.
كتب بتأريخ : السبت 16-01-2010
عدد القراء : 2708
عدد التعليقات : 0