لم تدهشني مواقف طغمة الحكم من الإنتفاضة، وهي مواقف انفضحت بعد عدم تمكن المتنفذين من إخفاء معاداتهم للحراك الاحتجاجي. فكل ادعاء صدر عن أي منهم بدعم الانتفاضة او تبني مطالبها، تبين انه محض خداع، والخداع لا يعبر على العراقيين. فسلوكهم الملموس هو التعبير الواضح عن حقيقة مواقفهم، عن ايغالهم في القمع، وممارستهم كل اشكال التشويه، ومحاولاتهم اختراق الساحات، وكيلهم التهم الباطلة للمنتفضين. فهم لم يوفروا وسيلة وأسلوبا رخيصين الا واستخدموهما بهدف افشال الانتفاضة.
ولم يدهشني موقف الحكومة من خيم الاعتصام في ساحة التحرير وازالتها يوم ٣١ تشرين الأول ٢٠٢٠. فهذه الحكومة تشكلت عبر توافق القوى المتنفذة، التي صوتت للكاظمي بهدف اللعب على عامل الوقت، من اجل انقاذ نفسها من هزيمة متوقعة امام هتافات المنتفضين الرافضة للمحاصصة والفساد.
تدرك طغمة الحكم ان الهدف الأرأس للانتفاضة هو إزاحتها من المشهد السياسي، كذلك محاكمة الفسادين لنهبهم للمال العام، ومعاقبة الفاشلين والمتلكئين وغير القادرين على بناء البلد وتنميته. وهي واعية لمصالحها وتدافع عنها بكل طريقة، لذا وقفت بوجه الشعب وجابهته بكل صفاقة،. ويبدو انها وهي تبدأ هجومها على الانتفاضة، فرضت على رئيس الحكومة اجندتها ووضعته امام الانصياع لارادتها وتنفيذها.
الغريب هو غياب موقف النخبة الوطنية العراقية - باستثناء بعض الشخصيات الفكرية والثقافية التي تحدثت بصراحة وجرأة - من إزاحة خيم الاعتصام من ساحة التحرير باستخدام قوات مجحفلة من صنوف عسكرية عدة، وغياب الفعل التضامني بما يتناسب مع حجم هذا الفعل، الذي لا يمكن وصفه الا بانه معادٍ للانتفاضة الشعبية، وبكونه عدوانا على أحدى أهم ساحات الاحتجاج في العراق، ونيلا من رمزيتها وحضورها المعنوي عند العراقيين.
فساحة التحرير هي الميدان الذي دوّت فيه ملايين الأصوات مطالبة بحقوق الشعب، وهي حاضنة نصب الحرية - إيقونة الكفاح ضد الطغيان والظلم والحرمان.
ان كشف حقيقة مواقف طغمة الحكم لا يتطلب كثير جهد، فهي معروفة ولا يمكن انكارها. اما اطراف الحكومة التي ادعت انها تدعم الاحتجاج السلمي وتؤيد تنظيمه وبقاءه في ساحة التحرير، باعتبار انها - كما زعمت – تتبنى مطالب تشرين وأهدافها، فقد اتضح زيف ادعائها، مثلما تأكد ضعف النخبة العراقية وغياب فعلها التضامني.
يتوهم من يعتقد ان المنتفضين قد يهدأ لهم بال وقد يصدقون الحاكم وهو يكرر معسول الكلام.
فكلام الحاكم لا يُحترم إن لم يقترن بفعل ملموس. على عكس كلام المثقف، فهذا ليس مجرد كلام. انه فعل حقيقي، والناس تنتظر الأفعال!