قبل أيام وأنا أستقلّ سيارة أجرة، كان السائق متذمّراً يلعن الساعة التي وُلِدَ فيها في العراق، سألته: لماذا ؟! أجابني: منذ مجيئنا لهذه الحياة ولحد اللحظة هذه، ماذا جنيناه حتى نعاقب في كل شيء ؟! وأكمل: لم نرَ لحظة سعادة واحدة في هذا البلد، من حروب وخوف واعتقالات وحصار وما جرى علينا في ظل حكم الطاغية، الى خراب ومن سيءٍ الى أسوأ في ظل الفاسدين!
كنّا نمنّي النفس بأن تنزاح الغمّة ، وتشرق شمس الحرية والسعادة، لكننا أصبنا بالإحباط واليأس بعد ذلك، وتبددت الفرحة في دهاليز أكثر ظلاما. فما أن سقط النظام الفاشي غير مأسوف عليه، حتى طلعت علينا ثعابين الأرض وعقاربها وثعالبها ودودها ، لتنخر كل جزيئة في بلدنا ، بالفساد والطائفية والمحاصصة، وكأنهم جاءوا (متحلفين بينه) ، ويحملون نذراً في أعناقهم أن يذيقونا الذلّ والهوان، ويهدموا كل شيء ، بل ويحرمونا من أبسط حقوق العيش في بلد يمتلك من الخيرات ما لم تمتلكه بلدان العالم أبداً ، من النفط إلى الماء، ومن الزراعة الى الصناعة، ومن التاريخ وآثاره التي ينظر إليها الناس في كل بقاع الأرض بإعجاب، الى السياحة بكل اشكالها!
لم يتركوا شيئاً إلاّ ونهبوه! أوقفوا الزراعة وجعلونا نستورد الفجل والكرفس، وعطّلوا الصناعة فصرنا نستورد علب الماء العذب، وهدّموا كل مَعْلَم يسكن ذاكرة الناس بحجة العمران، ولكن لا بناء ولا هم يعمّرون. وبدأ الاقتصاد ينحدر، من موازنات انفجارية كل واحدة منها تبني عشرة بلدان متطورة في كل شيء، إلى اقتراض وديون من هنا وهناك لسد العجز المالي، وأخيراً التلكؤ في صرف رواتب الموظفين وتأخير ذلك شهرا بعد آخر، حتى يكاد مجموع ما يستلمه الموظف خلال السنة عشرة رواتب فقط. فراتب شهر ايلول تم توزيعه بعد منتصف تشرين الاول، وراتب تشرين الاول لم نسمع عنه شيئا حتى هذه اللحظة! أيعقل هذا ؟! الموظف وعائلته ينتظرون على أحرٍّ من الجمر استلام الراتب ليقسّموه على عدة مفاصل تدفع بمعيشتهم أياما، وهم - أقصد المتسيّدين بالصدفة على رقابنا ــ نائمون في العسل، ورواتبهم الخيالية تصلهم أول بأول!
أي ساسة هؤلاء ؟! وأي حكّام ابتلينا بهم ؟! لا يراعون حرمة الإنسان، ومن يتظاهر مطالبا بحقه يُقتل أو يُعتقل أو يُختطف غدراً ؟!
انتبهوا لحالكم أيها الجالسون على الكراسي، وفكّروا بالناس والوطن، وتذكّروا أنكم ذاهبون طال الزمن أو قصر، واقرأوا التاريخ جيدا، والا.. فلات ساعة مندم!