لا نعرف من أين نبدأ لتناول هذه المحنة الجديدة لتضاف لتلال المحن التي سببها الفاسدون وأوغلوا في الاتيان بالجديد من السيئات والكوارث والعراقيون مكتوفو الايدي ومستلبو القدرة على إيقاف هذا الاستهتار المتواصل والآخذ بالتمدد في كل الاتجاهات دونما ذرة إحساس بأنسنة افعالهم وكأنها أفعال بهيمية لا تعي مدى خطورتها وما تنتجه من كوارث لا تُبقي ولا تذر.
هكذا بات العراقيون في حيرة من أمرهم سيما المثقفون منهم تحديدا، لأن البسطاء يتلقون الخراب بفهم وطني متواضع، ولكن بإحساس متعاظم بالضيم بأن سياسيي الكوارث ماضون في ذات النهج التخريبي لتحويل العراق الى بلد منقوص السيادة والإرادة وبشكل متعمد حتى وصلوا الى افراغ ميزانية البلد الذي كان فيما مضى من اغنى بلدان العالم، وهذا الفعل لا يقبل الشك مطلقا، بأنهم على قدر من الإصرار بوصول العراق الى أفقر البلدان واحوجها للمساعدة لتوفير لقمة العيش للشعب المظلوم.
فلماذا كل هذا العداء والإيغال في الخراب لأرض وشعب هم يدعون بانتمائهم اليه، فشتان بين من يسعى لتصحيح المسار الذي عاد من المستحيلات وبين من يزداد يوما بعد آخر في تكريس التخلف والحاجة والفقر والآلام وتعميق المحن لوطن كان يوما ما يعانق النجوم ليصل لأرقى حالات التقدم والتحصيل العلمي والمعرفي، قبل أن يُدخله طاغية العراق في مغامراته "ومكاوناته وجنجلوتياته" الفارغة والتي أسست لبدايات الخراب بمغامرات غبية وحمقاء، ليمهد لاحتلال البلد من قبل قوى اجنبية أتت بمخلوقات قميئة وخسيسة وخائبة، آلت على نفسها أن تكون أداة طيعة بيد المحتل لتضع يدها بيده من أجل الاستحواذ على مقدرات البلد "لتتمكن حتى تتمسكن" لتمارس اجندتها التي كان مخططا لها تحويل العراق الى ضيعة لدول معادية لا تخفي حقدها لتصفية الحساب مع البلاد والعباد بواسطة فلول من الخونة والمجرمين والقتلة والصبية المستهترين، جندتهم منذ الحرب العراقية الإيرانية الطاحنة ليكونوا أدوات لمحاربة أبناء جلدتهم تحت قيادة مليشيات ممن يحملون هوية الانتماء لوطنٍ أسمه (عراق) ولكنهم مجرد مجاميع من الخونة والمارقين وعديمي الوفاء للأرض والناس، وإلا فما معنى أن يحملوا السلاح لمقاتلة أبناء جلدتهم تحت إمرة من لا يريد خيرا للعراق، والى جانب أعداء العراق، تحت أي مسمى أو تبرير، حتى وإن كان ضد نظام فاشي وديكتاتوري وقاتل، لأن النضال ضد الاستبداد لا ينبغي أن يأتي من تأثيرات خارجية، وهكذا وضعوا انفسهم وقدراتهم تحت إمرة من يريد تدمير البلد، ليمتد ذات السلوك الأرعن اليوم لوضع العراق على سكة الفناء الحقيقي، والشواهد الشاخصة لا تحتاج الى اثبات بعد أن باتت أفعالهم الدنيئة معروفة حتى للأطفال الرضّع.
أن الجهلة والفاسدين وعديمي الضمائر والقيم والأخلاق ما تركوا شيئا إلا وفعلوه وبوقاحة وخسة ما بعدها خسة، فسرقوا البلاد وعاثوا فسادا، وشرعنوا اللصوصية والاستحواذ على مقدرات البلد واستغنى الأميون وأنصاف المتعلمين بعد أن منحوهم رتبا عسكرية أسموها "بالدمج" كونهم كانوا مقاتلين ضد جيش العراق الذي كان مغلوبا على أمره وأفراده مهددين بالقتل إن لم ينفذوا أوامر القائد الجرذ، والغريب في الأمر أنهم يبررون ما فعلوه في مقاتلة جيش العراق وأسموه بالعمل الجهادي، فنالوا بعد أن تمكنوا من حكم البلاد من نيل الأموال الطائلة والرتب الجزيلة والمكانة (الرفيعة) وغيرها من الامتيازات التي حولت غالبيتهم الى اثرياء وأصحاب أموال طائلة وعقارات لا حصر لها، داخل وخارج العراق، فبددوا ثروت البلاد وتصرفوا بمستقبل العباد وعاثوا فسادا وخرابا ونهبا للمال العام والعقارات وخلقوا طبقات من الطفيليين والمنبوذين والنفعيين ممن عافتهم الأرض ليصبحوا اليوم أصحاب قرار وتحديد مصير البلد وإلى أين يتجه،
وها هو الشعب العراقي المظلوم يعيش حالات مخيفة من العوز والبطالة وغياب أدنى حدود العدالة الاجتماعية والبطالة أصبحت قدر الشباب، فلا توظيف ولا توزيع عادل للثروات ولا خدمات في حدها الأدنى ولا مستقبل يلوح في الأفق للأجيال القادمة ولا عيش كريم ولا سكن آدمي للمحتاجين ولا صناعة ولا زراعة ولا سياحة ولا تجارة، حتى وصل مسلسل الخراب الى توقيف رواتب الموظفين ومنتسبي الدولة لتصل حالة البلد الى حافة الانهيار التام.
لنأتي الى عنوان مقالتنا عن التعليم وما يتعرض له من مسخ وتهديم للبنية التعليمية المعروفة فيما مضى في سبعينات القرن الماضي بنهضتها وانجازاتها العلمية والمعرفية الباهرة باحترام العالم بأجمعه للشهادات العراقية المعترف بها، ليأتي الجهلة على آخر مسلسل في اجندتهم لتخريب البنية التعليمية من خلال العديد من السلوكيات المتخلفة والمقصودة، بإهمال المناهج العلمية وإدخال مناهج ظلامية ومتخلفة، وعدم السعي لبناء المدارس المكتظة وخلق البدائل التحتية لتوفير حالات تعليمية مريحة من بناء مدارس جديدة وهدم الطينية الكارثية منها وترك العملية التربوية يديرها جهلة وفاسدون وأنصاف أميين، مما حول العملية التعليمية الى حالة من التردي والتخلف والتراجع المخيف.
من هنا جاء قانون معادلة الشهادات العليا الكارثي الجديد الذي اقره البرلمان مؤخرا بتسهيل الحصول على شهادات اكاديمية عليا لكل من هب ودب وبوسائل غاية في الاستهتار والحط من قيمة الشهادة العراقية ذات القدرة المعرفية الهائلة التي لا يمكن أن تكون بهذا الاستسهال الذي شرعه الجهلة، وهذه الشهادات تتطلب جهدا ومثابرة وسهرا وعناء ووسائل بحث ليست بالهينة، ليبيح هذا القانون حصول الجهلة وانصاف المتعلمين على شهادات عليا من جامعات مشكوك بعلميتها وكفاءتها وحضورها المعرفي والأكاديمي الحقيقي، لا كما يفعل انصاف الأميين بالحصول عليها بأموال وتزوير واستخفاف، وهنا يتبين لنا أي عيّنة من البشر هؤلاء الذين يتحكمون بمقدرات البلد ومستقبله وأسسه العلمية، ليكملوا مسلسل الخراب، ألا لعنة الله عليهم وعلى ما يفعلوه من تدمير لكل شيء في العراق، بحيث لم يبقوا شيئا إلا ومارسوه برعونة وحقد وضغينة، وكأني بهم مكلفون بمهمة، شرعوا بها عند بداية التغيير في 2003 واستمروا بها بتناول ملف بعد آخر حتى وصلوا إلى سن تشريعات رثة عبر مؤسستهم المهزلة والتي اسموها (البرلمان) ليبيحوا أخيرا لأنفسهم "الحق" بمنحهم شهادات عليا ستكون وبالا عليهم، وهم في اعتقاد تافه بأنهم سيصبحون ذوي كفاءات وهي في الحقيقة مسخ ومجرد ضحك على الذقون. حتى أنني استحضر ما قاله صديق اعلامي معروف، بأنهم لم يتركوا شيئا صبيانيا فعله صدام وما فعلوه وشرّعوه على مقاساتهم ورغباتهم الدونية.
حينما كنا نعارض النظام الصدامي الفاشي قبل التغيير، كانت مهمتنا أن نقف بوجه من يؤيد ذلك النظام المجرم من لدن كتّاب ومثقفين وأكاديميين وبسطاء ممن كان الاعلام البعثي يغرر بهم ويدفع الأموال الطائلة وبسخاء هائل، نقدا وبكوبونات البترول، فخلق طبقة من المنافقين والمرائين وعديمي الضمائر ممن استغنوا من السحت الحرام، في الدول العربية، ونحن نحتفظ بأسمائهم، ليدبّجوا المقالات والأشعار وكلمات المديح للقائد الأبله، لتظل هذه الحالة ملازمة للناس حتى يومنا هذا، وكنا نتصدى لهم ونقنع بعظهم بفاشية وجرائم النظام وقائده المخبول، ونجحنا الى حد بعيد بتغيير القناعات المشوهة من عقولهم، واليوم يواجهنا من تغيرت قناعاتهم بالأمس بتأييد صدام الأرعن، بسؤال كبير وذي مغزى، بأن ما يجري في العراق اليوم اشد مما كان يدور في العراق في زمن الطاغية، فماذا عسانا أن نجيبهم، بعد أن قام فاسدوا العراق وناهبوه بأفعال يعتبرها اصدقاؤنا بأنها أفظع وأشد وقعا على العراق والعراقيين مقارنة بزمن الطاغية؟؟.مما دفعهم للترحم على جلاد العراق.
أن طبقة الفاسدين واللصوص والمخربين وذوي الأهداف الشريرة عادوا معضلة العراق اليوم ولا يمكن الخروج من المحن التي يفعلونها لإلحاق الضرر بكل شيء، ولا أمل يرجى منهم بالعودة الى عقولهم التي تآكلت بسبب مسلسل المحاصصة المقيت والممارسات غير الأخلاقية البعيدة عن روح الانتماء وصدق الادعاء بالدفاع عن المذهب والدين وغيرها من الفبركات التي ما عادت تنطلي على أحد، والشواهد بينت وما فتئت تبين افلاسهم الفكري والأخلاقي والديني والمذهبي والانتماء للعراق، ولم يعد أمام ثوار تشرين الأبطال وكافة القوى الخيرة والتي لم تتلوث أياديهم بما يفعله السفهاء من الطبقة الفاسدة والمرائية، أن يتحدوا بقوة الانتماء للعراق وبالإصرار على انتصار الثورة المباركة واستعادة الحقوق المستلبة ومحاسبة القتلة وفاء لذكرى شهداء ثورة تشرين الميامين وكافة الجرحى والمعطوبين وممن اختطفتهم الأيادي الآثمة من مليشيات قتل أرعن هي الأدوات التي تصول وتجول في العراق، لتعطي (الاطمئنان) لقوى الخراب بأنهم في مأمن من العقاب والحساب الذي وإن طال أمده أو قصر فأنه لا محالة يلوح في الأفق، ولا يمكن أبدا أن تضيع الدماء الطاهرة وتذهب هدرا والقتلة ومن يدعمهم ويحثهم على نشر الفوضى، ما زالوا يتنفسون هواء العراق.
أن الدماء الزكية التي نزفت في ساحات الشرف والكرامة، تدعوكم يا احرار العراق لشحذ هممكم لمحاسبة القتلة والمجرمين وكنس الحثالات القميئة والفاسدة.
ونحن بانتظار ذلك اليوم المنشود.