يعرف عبد الرحمن بدوي العنف بأنه : ( صورة من صور القوة المبذولة على نحو غير قانوني بهدف إخضاع طرف لإرادة طرف آخر ) ، وهذا هو تعريف العنف بشكل عام ، ومنه تستخلص أنواع العنف الاخرى ، ومنها على سبيل المثال العنف الأسري المبني على أساس النوع اجتماعي المتمثل في الأفعال والسلوكيات المرتكبة بحق أي فرد من أفراد الأسرة بسبب عدم التوازن في العلاقات الأسرية .
هذا ويعود أصل العنف الأسري - وخاصة العنف ضد المرأة - الى مرحلة ما قبل الدولة ، تلك المرحلة بتكوينها الاجتماعي والاقتصادي الذي أفضى الى وجود العائلة البطريركية التي أسست لمفاهيم العنف ووضعت مضامينه وشروطه وأسبابه المنشئة للسلطة الأبوية المدعومة من قبل مؤسسة الزواج وساهمت في ترسيخه المانحة للسلطة الأبوية صلاحية للتحكم بأفراد العائلة وضبط إيقاعهم تصرفاتهم وسلوكهم حسب مشيئته تلك .
الموروث الثقافي بكل أشكاله ، والثقافة المجتمعية ، تعد العنف الأسري نشاطاً عائلياً يمارس داخل الأسرة وهو أحد خصوصياتها ، وحيث إنه شأن عائلي ، فإنه محظور على الغير التدخل فيه حتى ولو من باب النصح والتسامح . لا بل إنهم يذهبون الى أبعد من ذلك من خلال إخراج الشأن العائلي من مسؤولية الدولة باعتبارها سلوكاً خاصاً يحصل داخل الأسرة ويندرج تحت أحكام حرمة المنازل . هذا النموذج الفكري المؤسس للوضع الأسري المترسخ في الممارسات والوقائع عبر العصور يحول دون تغيير أنماط السلوك المتوارثة ويتصدى لأي مشروع يهدف الى التغيير أو يمس ثوابت ذلك الموروث ، الأمر الذي اعتبر استمرارالعنف الاسري والقسوة شأناً من شؤون الأسرة الخاصة يعطي الحق لمرتكبه وبكافة أشكاله لكون الحق في ممارسة التأديب في نطاق الأسرة . ومن هنا نستطيع أن نفهم الممانعة الشرسة لكل محاولة تحاول النيل من هذا البنيان ، باعتبارها محاولة لانتزاع السلطة تلك . وهذا ما يفسر الوقوف بحزم ضد مشروع قانون الحماية من العنف الاسري رغم جاهزة مسودته منذ مدة تناهز العشر سنين .
عليه ولما كانت الحاجة ملحة لبراديغم جديد باعتباره النموذج الفكري المتصل بنظرية الابتسيمولوجيا والذي يمكن من خلاله تأسيس نموذج جديد للنظام الاجتماعي يجري في إطاره تداول التفكير المبني على قدرة العقل البشري على التخطيط لمواجهة المشاكل والمعوقات التي تخص المجتمع والدولة ، المفضي لتفكيك النموذج السائد الماسك بخناق الأسرة من خلال العنف المعطل لدورها في المجتمع . وحيث إن النصوص التي وضعها المشرع الدستوري ضمن أحكام المادة 29 من الدستور النازع نحو إخراج الاسرة من نموذجها الحالي المبني على الخصوصية والشأن الخاص والتحول بها وجعلها شأناً عاماً من شؤون الدولة وحسبما تفرضه النصوص الدستورية التي تعد الأسرة أساس المجتمع فإن النصوص هذه تعد البوابة وبصلاحيات دستورية لتأسيس براديغم جديد يسهل العمل تشريعياً للولوج في هذا المشروع وبناء الأسرة بناء سليماً وتحت مسؤولية الدولة والتي تبدأ بمنع كافة أشكال العنف أو التعسف في الأسرة والمدرسة والمجتمع وهو ما اشتملته حكم الفقرة رابعاً من المادة المذكورة أعلاه التي تعد رخصة دستورية لتأسيس النموذج الجديد .