يرجح الخبراء بأنه وعلى الرغم من أن جون بايدن لم يتناول العراق بصورة ملموسة خلال حملته الانتخابية، بيد أنه سيكون ملفاً دائماً على مكتبه. ويعيدون الأذهان الى أن جو بايدن كان قد أيد الغزو الأميركي عام 2003،
ومن ثم أعاد النظر في موقفه انسجاماً مع موقف إدارة باراك أوباما القاضي بانسحاب القوات الأميركية من العراق. وعندما كان عضواً في مجلس الشيوخ عن ولاية ديلاوير، طرح بايدن في عام 2006 ، خطة لتقسيم العراق إلى ثلاث مناطق شبه مستقلة: شيعية وسنية وكردية ، معتقداً أنها ستتيح للقوات الأميركية مغادرة العراق بحلول عام 2008. وتوقع أنه بدون هذه الخطوة ، سيدخل العراق في دوامة العنف الطائفي،
ويزيد من زعزعة استقرار الوضع في المنطقة. ورغم استقبال الرأي العام العراقي هذه الخطة بالرفض والاستياء واسع النطاق، يرى بعض المراقبين الأجانب أن نبوءة بايدن كانت صحيحة. مشيرين بذلك إلى اندلاع الحرب الطائفية الدموية، على خلفية تفجير القبة الذهبية للإمامين علي الهادي وابنه حسن العسكري في سامراء (ع) في سامراء(2006). والتي استمرت أكثر من عامين. وتلا ذلك عنف طائفي منح قوات الاحتلال الأميركية فترة من التواجد الهادئ، وفي النهاية إلى ظهورر"داعش ". والمعروف أن الملف العراقي كان مفتاحاً لجميع الرؤساء الأميركيين لسنوات عديدة. وزار جون بايدن العراق 27 مرة، ووفقاً لبعض التقديرات إنه مطلع بشكل جيدً على واقع العراق، "ولا يزال على اتصال وثيق بالعديد من السياسيين العراقيين".
والشيء الأساس بالنسبة له، والحديث لأولئك المراقبين، هو إيجاد توازن بين مستوى الوجود العسكري الأميركي، وتقليص النفوذ الإيراني في العراق لأقصى حد. ويلاحظون أن التدخل الإيراني في العراق توسع في عهد ترامب، لدرجة، حسب رأيهم، "أن الميليشيات المدعومة من طهران سيطرت على معظم البلاد ، ولم تفعل واشنطن شيئاً حيال ذلك ، باستثناء التهديد بإغلاق السفارة الأميركية في بغداد، والتي كانت هدفاً للصواريخ التي أطلقتها الجماعات الموالية لإيران". ... علاوة على ذلك، فإن عملية اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس ببغداد في كانون الثاني 2020 ، أدت إلى تفاقم الوضع في البلاد وأجبرت الولايات المتحدة على سحب عدة قواعد من البلاد، ناهيك عن تشديد التشكيلات المسلحة الضغط العسكري عليها. وفضلاً عن ذلك أفضى الضغط الاقتصادي الهائل الذي مارسته إدارة ترامب على إيران، إلى نتائج عكسية، حيث وسعت إيران نفوذها داخل العراق. وتشير التقارير الدولية إلى أن إيران استفادت من السوق العراقية لدعم اقتصادها، بما في ذلك بيع النفط الإيراني عبر العراق، وتصدير الكهرباء له، وبالتالي حصولها من خلاله على العملة الصعبة التي تحتاجها. لذلك يرجح بعض الخبراء بان بايدن سينتهج سياسة أكثر براغماتية تجاه طهران، ويمكن أن تخفف إدارته التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، ودفع العلاقات الثنائية نحو اتجاه أكثر استقراراً، مع تخفيف الضغط. وفي الوقت نفسه لن تزيل واشنطن تماماً ضغوطها على الجمهورية الإسلامية.
ومن المرجح أن يواصل بايدن الدعم الأميركي لجهود رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الرامية لوضع سلاح المليشيات تحت رقابة الدولة وضبط الانفلات الأمني، وكذلك دعم الاحتجاجات الجماهيرية التي تدعو من بين شعارات أخرى الى إنهاء النفوذ الأجنبي.
ويدعو أولئك الخبراء الى الحذر من المبالغة في التبسيط بافتراض أن فوز بايدن سيعني عودة واشنطن إلى السياسة التي انتهجها الرئيس السابق باراك أوباما، فالجهورية الإسلامية، وبفعل سياسة الرئيس ترامب على مدى أربع سنوات تقريباً، غيرت نهجها إزاء التحديات الإقليمية والعالمية لصالح تقوية المتشددين في الجمهورية الإسلامية.
ووفقاً للخبراء الأميركيين، سيحاول بايدن على الأرجح التوصل إلى اتفاق جديد مع إيران، مما قد يدفع الولايات المتحدة إلى الانضمام مرة أخرى إلى خطة العمل الشاملة المشتركة بشأن الملف النووي الإيراني، وإن كان سيجري ذلك وفق بعض الشروط الجديدة. ومن التنازلات التي قد تطلبها واشنطن بهذا الصدد هي تقليص إيران نفوذها في العراق، ولا سيما تأثيرها على الانتخابات البرلمانية المقبلة. ويستبعد الخبراء أن يكون بايدن وفريقه ملتزمان في الوقت الحالي بفكرتهم القديمة بتقسيم العراق إلى ثلاث مناطق كوسيلة لتصفية الطائفية وإنهاء التطاحن المذهبي والقومي، لأن من مصلحة الولايات المتحدة التعامل مع العراق كدولة موحدة ومستقرة. ويذهبون إلى أن الاعتراضات الإيرانية على الوجود الأميركي في العراق قد تدفع بايدن إلى إحياء الاقتراح بدرجة أو بأخرى. بما في ذلك في إطار تحفيز بعض القوى السياسية العراقية التي التي تتحدث الآن بصراحة عن الحاجة إلى إقامة نظام فيدرالي في البلاد على أسس طائفية وعرقية.
وفي حين أنه من المستحيل التنبؤ بكيفية إدارة بايدن للسياسة الخارجية، فإن سجله الحافل كنائب الرئيس في ولاية باراك أوباما، وكسيناتور أمريكي منذ السبعينيات، يمنحنا فكرة تقريبية عن أولوياته الرئيسة. فبايدن مثل أوباما، يدافع عن أجندة " ليبرالية دولية" على المسرح العالمي. وعلى الرغم من أنه ليس حمامة، لكنه دعا في العديد من المناسبات إلى اعتماد الوسائل الدبلوماسية في الشؤون الدولية، ودعم المشاركة الأميركية في القضايا الدولية، وفي المؤسسات المتعددة الأطراف – وهذا على عكس سياسة ترامب الخارجية، التي تجازف بالتحرك أحادي الجانب، كانسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة بشأن الملف النووي الإيراني، ومن منظمة الصحة العالمية، واتفاقية باريس للمناخ، ومن معاهدة نشر الصواريخ متوسطة وقريبة المدى المبرمة مع روسيا وترددها في تمديد العمل باتفاقية الحد من الأسلحة الستراتيجية النووية، وفرضها خطة سلام في الشرق الأوسط، غير عادلة وتهضم حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة وإلزامها بالترغيب والترهيب لبعض الدول العربية للتطبيع مع إسرائيل قبل تحقيق تسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي.
وفي سياسته الإيرانية، قد يأخذ بايدن بنظر الاعتبار مصالح أعضاء الناتو مثل فرنسا وألمانيا وتركيا، التي أيدت خطة العمل الشاملة المشتركة، وعبرت عن أسفها لقرار الولايات المتحدة بالانسحاب من اتفاقية آيار 2018 بصدد تسوية الملف النووي الإيراني. وترجح تلك القراءات بأنه سيكون من الممكن التنبؤ بسياسة الرئيس بايدن تجاه إيران ستكون قابلة للتنبؤ وتتسم بالثبات، اكثر من سياسة الإدارة الحالية.
وكان بايدن قد انتقد عملية اغتيال الراحل قاسم سليماني، وسياسات ترامب تجاه إيران والشرق الأوسط الكبير، واتهمه بالقيام بتصعيد المجابهة مع ايران بإجراءات لا يمكن التنبؤ بها تماماً". وفي الوقت نفسه أدان بايدن ما وصفه بانتهاكات حقوق الإنسان في ايران، واحتجازها مواطنين أميركيين، ودعا أيضاً إلى "طريقة أكثر ذكاءً لمواجهة إيران" ، وسيقوم نهج بايدن على الأرجح على تقليص العقوبات أحادية الجانب وتبني خيارات دبلوماسية، وقد لا يستجيب بايدن أيضاً لمطالب بعض دول المنطقة بزيادة الضغط إيران، وهو ما ترحب به طهران بكل سرور. ومع ذلك، يمكن أن يثير بايدن أيضاً مشكلات محتملة لإيران. أولاً، إنه صديق مقرب وداعم قوي لإسرائيل. في حين أنه من الصعب تخيل أي رئيس أميركي يدعم بنشاط سياسات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بنفس القدر مثل ترامب، فمن غير المرجح أن تمارس إدارة بايدن ضغوطًا أميركية كبيرة على إسرائيل بشأن قضايا مثل الإجراءات السرية الإسرائيلية ضد إيران (حرب بالوكالة ، حرب إلكترونية ، إلخ). وقد يكون أكثر استعداداً أيضاً لاستخدام القوة العسكرية الأميركية لإبقاء محافظة إدلب شمال غربي سوريا في أيدي المسلحين المناهضين للأسد ، وهو ما يمثل تحدياً مباشراً لخطط طهران وموسكو.