تستفزُ ذاكرتك لحظة (فرحزن)،وأنت تستحضرُ أيام طفولتك ،يوم كان الصديد يغلق عينيك بفعل التراخوما،وكان البكاء متنفسك الأوفى لتبديد الوجع الناجم عن صعوبة فتح جفنيك،
تحملك أختك الكبرى إلى غرفتكم الوحيدة المظلمة،حيث لا نافذة بها سوى باب خشبي،ربما صنعه نجار كسول من قطعة خشبية واحدة،فانعدمت به الشقوق، التي يمكن أن تتسلل منها أحزمة الضوء،وقد طلبت منك أختك المحاولة في فتح عينيك،وحاولتَ ذلك بالفعل، فكانت جيوش الظلام تنهزم أمام رؤيتك للآجر الأحمر،المرصوفة به جدران غرفتكم المظلمة.
تستفزُ ذاكرتكَ لحظة (فرحزن)،يوم أمسك بيدك أخوك،وذهبت معه إلى المدرسة كي تستمع إلى معلم القراءة الخلدونية،وهو يطلب منكم جميعا أن تعيدوا ما كان يردده(د ا دا دادا)حينها كانت دادا لغزا ، لكنها أكثر انسيابا لحنيا من داده،التي كنتَ تنادي بها أختكَ ،وأمتد بروحك انبعاث الشوق، حين كنت تردد بعده سؤال اللامعنى، إلى متى يبقى البعير على التل؟؟ والجواب الأكثر لا معنى ، يبقى إلى المساء،فتحزن لبقائه إلى مشارف الظلام، وكأن البعيرَ هو كل ما تبقى من أرث أجدادك ، فتراودك مخاوف الظلام في عودة البعير من التل.
وجيوش الظلام لا ترحم،حين تزحف بجحافلها،لكي تمتص أول أصبوحة نهار ،من عيون طفل لا يملك في حقيقة الأمر،حتى الإجابة البسيطة على سؤال منْ طوى ردائي ؟ فترمي به بعيدا عن أحزمة الضوء،لا لكي يبصر الآجر الأحمر فقط، بل لكي يتنفس ضوء الشمس كاملة بعينيه.
كل هذا يتمرد ُ على ذاكرتك وأنت تطالع صحف الأمس،عناوينها تجعل كل جراحات ظلام الماضي،تقف شاخصة أمام عينيك وهي مملوءة بالصديد،حين تقرأ من أن ((العراق سيشهد أمية حقيقية في السنوات المقبلة))،تحاول أن تخدع نفسك في عدم تصديق ما تقرأ،ولكن الإحصاءات الرسمية أكبر من رغبتك في عدم التصديق،أكثر من خمسة ملايين أُمي في المستقبل القريب،
خمسة ملايين أُمي!!...خمسة ملايين!! يعني خمسة ملايين عراقي يتنفس في ظلام الأمية!،خمسة ملايين عراقي يستحم في فضاء الظلام!،خمسة ملايين عراقي تأكل جيوش ظلام الأمية حياتهم!!
تستفز ذاكرتك لحظة حزن مرير،أي دهر هذا الذي أبتلي به العراق،حتى أضحى بين ظلام الأمية وأمية الظلام
كتب بتأريخ : الأحد 17-01-2010
عدد القراء : 2316
عدد التعليقات : 0