تاريخياً وقفت روسيا دائماً الى جانب العراق، ودعمت المشاريع الرامية الى تطويره وتجديد اقتصاده وقدراته العسكرية وتفعليها من أجل صيانة سيادته واستقلاله ووحدة أراضيه، ودعت الى حل كافة الأزمات التي مر ويمر بها عن طريق الحوار الوطني الشامل،
بمشاركة كافة القوى والجماعات العرقية والدينية من دون تهميش أي طرف كان، وكأننا بلسانها يقول: العراق بلد جميع العراقيين، ولا يحق لأي طائفة أو جماعة أن تستأثر بثرواته وبقراره السياسي والنظام السياسي له أو تقمع تطلعاته لبناء دولة متحضرة وعصرية تسودها ثقافة التسامح والعدالة والديمقراطية الفعلية.
واحتضنت موسكو على مدى طويل الوطنيين العراقيين الذين وقفوا بوجه الاستعمار والحكومات العميلة والدكتاتورية، وما زالت في العاصمة الروسية لوحة تذكارية تشير الى المبنى الذي سكن فيه الزعيم الوطني البارز مصطفى البرزاني أثناء إقامته هنا، وشارع باسم سكرتير الحزب الشيوعي العراقي الشهيد " سلام عادل" وتمثال المفكر الشهيد السيد محمد باقر الصدر في جامعة العلاقات الدولية، وآخر للأديب غائب طعمة فرمان في مكتبة الآداب الأجنبية. وينبغي أن لا ننسى الموقف التاريخي لموسكو عندما كانت أول دولة تعترف بالنظام الجمهوري في العراق بعد ثورة تموز، فأضفت عليه الشرعية الدولية، وأحبطت محاولات التدخل الأميركي / البريطاني لسحق الثورة، ووضعت خطة خمسية لتطوير الاقتصاد العراقي وإحداث نقلة نوعيه فيه، لكنها مع الأسف لم تظهر إلى حيز الوجود بالكامل، كما واصلت بتقديم الدعم بما في ذلك العسكري لحكومة قاسم ( عن مقالة بالروسية : مهمة عسكرية سرية في العراق) وأدانت بشدة انقلاب شباط الأسود واغتيال الزعيم قاسم وسعت لتخفيف حدة الحصار عن عاتق الشعب، وليس عن النظام البائد. ومن دون شك وللإنصاف يقال إنه كانت هفوات من قبل موسكو وتجاهل لتصرفات الحكام ضد الشعب العراقي، مرهونة بالوضع الدولي الذي كان مترتباً في الحرب الباردة، والداخلي الاقتصادي على الأغلب ( اقرأ في كتاب سماء بغداد القرمزية. فيكتور بوسافليوك).
ولم تقف روسيا اليوم موقف اللامبالي من تطورات البلاد، وتمد يدها ثانية للتعاون البناء والمثمر، لإعادة بناء البلد واطلاق قدراته الخلاقة، والدفاع عن سيادته من دون إملاءات سياسية أو التدخل في الشئون الداخلية من جانبها. وقد جاءت هذه التأكيدات أيضاً خلال الزيارة التي قام بها نائب رئيس الوزراء، وزير الخارجية العراقي لروسيا فؤاد حسين في 25 تشرين الثاني، التي أعادت بنتائجها، الحيوية للعلاقات بين البلدين، بعد فترة من الجمود سببتها جائحة فيروس كورونا.
ورغم أن روسيا لا تضاهي الغرب في تقدمه التكنولوجي، غير أنها تمتلك قاعدة علمية وفنية رصينة وبرامج واعدة للنهوض، وأحداث طفرة تكنولوجية منافسة على الساحة الدولية، وفي هذا الصدد يمكن للعراق أن يستفيد من الخبرات الروسية والإنجازات التي تحققت خاصة في المجالات التي تقدمت فيها روسيا دولياً، بما في ذلك في مجال بناء المحطات الكهروذرية والكهربائية والكهرومائية، وبناء الجسور وفي مجالات الزراعة والصناعة الأخرى. وتكثيف التعاون في مجال إعداد الكادر الإداري والعلمي والمهني في كافة المجالات، والمعاهد الروسية حيث يدرس نحو 4 آلاف طالب عراقي، مشرعة الأبواب للطلبة من العراق. إن وزارة الثقافة مدعوة بجد لدراسة موضوع افتتاح فرع لجامعة علمية روسية في العراق، ووضع برامج ناجعة لكيفية استفادة الطالب العراقي من دراسته في روسيا، واستيعاب المادة العلمية في معاهدها على أكمل وجه. ان إعداد الطالب للدراسة هنا مسألة جدا مهمة.
وكان للمسؤول العراقي لقاءات مع وزير الخارجية سيرغي لافروف ونائب رئيس الوزراء بوريسوف وبلجنة الشؤون الخارجية في مجلس الدوما ( المجلس الأدنى للبرلمان الروسي). وبوزير الطاقة، وناقش فؤاد حسين مع سيرغي لافروف موضوعات الساعة على جدول الأعمال الدولي والإقليمي مع التركيز على الوضع حول سوريا والشرق الأوسط. وأولى اهتماماً خاصاً لقضايا تعزيز الجهود لمكافحة الإرهاب الدولي. وتتعاون موسكو بنشاط مع بغداد في الجهود الدولية للقضاء على فلول عصابات الإرهابيين الدوليين، على أراضي العراق. وفي هذا الصدد ، أشار لافروف إلى " العمل الناجح لمركز بغداد للإعلام ، الذي أنشئ لتنسيق مقاربات مكافحة الإرهاب ، بمشاركة خبراء عسكريين من روسيا والعراق وسوريا وإيران".
و قال لافروف إن شركات النفط الروسية استثمرت نحو 13 مليار دولار في العراق. أما بالنسبة لقطاع الطاقة ، فإن أكبر الشركات الروسية تعمل في العراق مع شركائها ، وهم LUKOIL و Rosneft و Gazprom Neft و Bashneft. وقد استثمر الأربعة أكثر من 13 مليار دولار في الاقتصاد العراقي. وبحسب الوزير ، "هناك خطط بين رجال الأعمال لدينا والعراقيين لمواصلة هذا التعاون". كما جرى التأكيد على دعم روسيا لجهود حكومة رئيس الوزراء العراقي السيد الكاظمي لتحقيق الاستقرار في البلاد والقضاء على التهديدات الإرهابية المتطرفة والتحضير لانتخابات برلمانية جديدة.
في مجال التعاون العسكري / الفني حصلت بغداد على تعهدات إضافية بتلبية موسكو أي طلبات في المجال العسكري التقني. وقال لافروف:" لعب بلدنا بشكل تقليدي ولا يزال يلعب دوراً مهماً في ضمان القدرة الدفاعية للعراق ، وتجهيز الجيش وقوات الأمن ، بما في ذلك في سياق التهديدات الإرهابية المتبقية. نحن على استعداد لتلبية أي احتياجات عراقية من المنتجات العسكرية الروسية الصنع. ويخطط وزير الدفاع العراقي جمعة عناد لزيارة روسيا في المستقبل المنظور. إنني على ثقة من أن هذه القضايا ستتم مناقشتها بطريقة ملموسة وموضوعية للغاية".
وتصدرت آفاق العلاقات الاقتصادية بين روسيا والعراق مباحثات نائب رئيس وزراء روسيا يوري بوريسوف وووزير الخارجية فؤاد محمد حسين، الذي تم في إطاره بحث قضايا الساعة الخاصة بالتعاون الثنائي. ، بما في ذلك المشاريع في مجال الطاقة والصناعة والتجارة والنقل والزراعة وغيرها. وأكد بوريسوف "أن روسيا لا تزال تعتبر العراق أحد الشركاء الرئيسين في منطقة الشرق الأوسط".
في الوقت نفسه ، لاحظ بوريسوف انخفاضاً في مستوى التجارة بين روسيا والعراق. وقال بيان للمكتب الصحفي للحكومة الروسية إن نائب رئيس الوزراء الروسي "في إشارة إلى حدوث انخفاض معين في مستوى التجارة بين روسيا والعراق ، دعا زملاءه العراقيين إلى بذل كل جهد ممكن لزيادة الإمدادات المتبادلة لأوسع مجموعة من السلع ، وكذلك إعطاء دفعة جديدة للمشاريع الواعدة للتعاون الثنائي في مختلف المجالات". نائب رئيس وزراء الاتحاد الروسي.
ونائب رئيس وزراء الاتحاد الروسي يوري بوريسوف هو الرئيس المشارك للجنة الروسية العراقية للتعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والتقني من الجانب الروسي ، ويرأس الجانب العراقي نائب رئيس الوزراء للشؤون الدولية ، وزير خارجية العراق فؤاد محمد حسين. ومن المقرر عقد الاجتماع القادم للجنة الحكومية الدولية في أوائل العام المقبل ، تقريباً من شباط إلى آذار. ويعمل البلدان حالياً على إعداد 14 وثيقة ثنائية ، بما في ذلك مذكرة تفاهم .و تغطي هذه الوثائق مجالات مختلفة: التعليم والنقل والرعاية الصحية وصناعة النفط والغاز والتجارة. وكان الموضوع الأمني حاضراً في المباحثات الثنائية على خلفية تصعيد تنظيم الإرهابي عملياته الإجرامية في مختلف أنحاء البلاد.
وقال حسين في مؤتمر صحفي في وكالة أنباء "روسيا سيفودنيا" ، رداً على سؤال حول ما إذا ما إذا كانت بغداد تخطط لشراء لقاح روسي ضد فايروس كورونا.إن بغداد تتابع عن كثب تطوير لقاح روسي ضد كوفيد - 19 وهي على اتصال بموسكو بشأن هذه المسألة. وفعلاً إن موسكو مستعدة أيضاً لمد اليد للعراق لإبادة فايروس كورونا ووضع حد لتفشي الوباء.