المبادرة التي طرحها قائد التيار الصدري, دليل ازمة بنيوية تعيشها احزاب الأسلام السياسي الشيعية بالخصوص, والتيار الصدري تحديداً. وما طرح هذه المبادرة, في هذا الوقت, إلا احدى تجلياتها, فهي بعيدة كل البعد عن واقع الوعي السياسي العراقي في هذه المرحلة, لأن مبادئها الطائفية قد تجاوزتها انتفاضة شباب تشرين/ أكتوبر ٢٠١٩ برؤاها ومنطلقاتها الوطنية الجامعة ودعوتها الى مدنية الدولة والمواطنة وسيادة القانون وإلغاء نظام المحاصصة الطائفية - العرقية البغيض, اضافة الى ان التجربة الشعبية مع هذا التوجه شهدت اكثر مشاهد الخسارات والانتهاكات, بشاعة, وهي راسخة في وعي العراقيين وذاكرتهم.
ان تيار مقتدى الصدر يريد ان يرمم اطلال بيت, هُدم بمعاول هذه الأحزاب, معها وبها.
فهي, بالتالي, دعوة تصرّ على تلصيق اشلاء أحزاب وميليشيات, فقدت حتى جماهيرها الثقة بها, وثارت عليها, بعد أن صوبت رصاصاتها الغادرة إلى صدور أبنائها, لاعتراضهم على تغوّل قياداتها في سرقة المال العام والإثراء الفاحش على حساب عوزها وبؤسها.
انها دعوة تجميع وفرض لذات الوجوه القميئة المتنعمة والضالعة في الفساد والقتل والتي تكرشت وثقلت اوزارها حتى أصبحت لا تستطيع الافلات من كراسيها الا بالشلع قلع.
اوليغاركيو شيعة السلطة, لن يرحبوا بمبادرة الصدر لترميم البيت الشيعي وتوقيع ميثاق عقائدي... لأن ما يمنعهم, هو ضخامة المغانم والمصالح التي استحوذوا عليها وليسوا مستعدين للتنازل عنها.
وحتى المواطن البسيط, لم تعد تنطلي عليه ألاعيب العقيدة والمذهب وأصبح يهزأ مما يطرح من مواثيق الشرف بين التكتلات الطائفية, لعدم جدواها, ولتعدد الساقطة منها في اليوم التالي لتوقيعها, ولأنه أصبح متيقناً بأن من لم يستحضر العقيدة والدين في سلوكه طوال سبعة عشر عاماً من وجوده على قمة السلطة, لن يستحضرها اليوم!
وبارونات الطائفة والميليشيات, في الحقيقة والواقع, ليسوا بحاجة لتوقيع وثيقة شرف وميثاق عقائدي جديدين, يرتبان عليهم التزامات عقائدية واخلاقية هم في غنى عنها, ويمكنهم التعويض عنها بمظاهر التدين الزائف, بالصلاة الأستعراضية وترديد الآيات القرآنية والتمسح بأذيال الأنبياء والأئمة والتابعين, لتضليل البسطاء.
وأكثر ما أفزع جموعهم, هو رغبة مقتدى الصدر, مع ما تخبئه شخصيته المتقلبة ونرجسيته القيادية, في تنصيب رئيس الوزراء القادم من خاصته ويقال, من عائلته... فهم, كما أظن, لم يُجنّوا بعد ليسلمّوا رقابهم له, بطيب خاطر !
ان هذه الدعوة المبهمة, الغير معلنة البنود, لا تقدم حلولاً للأزمة العامة المحيقة بالمواطن والوطن بل تفاقمها, لأنها تهدف إلى تأمين فوز تحالف طائفي مجرب, ممقوت شعبياً, فشل في تحقيق اي انجاز يُذكر. لهذا فمبادرته ولدت ميتة.