ترجمة : عدوية الهلالي
في البداية ، كانت البلدان المصابة بفايروس كورونا لاتتصرف إزاءه بالطريقة نفسها ، ولكن تبين أن تطور المرض كان دراماتيكياً ماأجبر القادة على الاستماع أخيراً الى الخبراء في مجال الصحة ، فللحد من هذا الوباء وتمكين أنظمة الرعاية الصحية من التعامل مع تدفق المرضى ،
فان الطريقة المثلى هي الحد بشكل كبير من التواصل بين الناس وإيقاف فرض الحظر الصحي ، فالحديث عن " التباعد الاجتماعي " يشير الى ضرورة تجنب المصافحة والعناق لأن الامتناع عن كل مظاهر التقارب الجسدي ربما سيساعد على الإبطاء من انتشار المرض وبالتالي رعاية الناس بشكل أفضل ..
بعد كل شيء ، إذا كان الأمر يتعلق بانشاء مسافة " مادية " أكبر من المعتاد ، فمن المهم أيضاً توطيد الروابط الاجتماعية ، من خلال تنمية التضامن بين البشر لأننا سنتمكن بذلك من مواجهة هذا الفايروس ، وتدعم هذه الحجة سنوات من البحث في علم النفس الاجتماعي ..
ففي دراسة تعود الى الخمسينيات من القرن الماضي ، تساءل ستانلي شاختر عن كيفية تفاعل الناس مع الأزمات ، وقاد بعض المشاركين في تجربة اجتماعية الى الاعتقاد بأنهم سيعانون معاناة جسدية يصعب تحملها فيما لو كانوا بمفردهم مقارنة بالأشخاص الآخرين الذين يخوضون معاناتهم ضمن مجموعة ..ومع ذلك فأن هذا البحث عن المجموعة ، لم يكن الدافع إليه هو الرغبة الغامرة في الاتصال الجسدي كما تظهر نتائج الدراسة بل الرغبة في المناقشة مع الأشخاص الآخرين الذين يواجهون نفس المحنة والرغبة في قياس الخوف الذي يشعر به الآخرون بشكل أفضل ،إذن ، فالحاجة الى التواصل مع الآخرين لمقارنة التجارب البشرية بشكل خاص هو مايجمع بيننا كبشر ، وهكذا فإن القرب الاجتماعي هو المهم ..
ولاتقتصر عواقب القرب الاجتماعي على القلق بل تؤثر الرابطة الاجتماعية بشكل كبير على الصحة الجسدية والعقلية فضلاً عن غياب الدعم الاجتماعي ونقص التضامن الاجتماعي ..
ويعد تنسيق العمل فائدة أخرى لايمكن إنكارها بالنسبة للروابط الاجتماعية ، فبدون تنظييم جيد أو تخطيط مناسب ، لاجدوى من رعاية طموحات كبيرة ، فلو فكرت في فريق كرة القدم المفضل لديك – على سبيل المثال – فستجد أن الشعور القوي بالانتماء من جانب اللاعبين الى فريقهم غالباً ماينجح في تحويل مجموعة من الأفراد الى مجموعة فائزة ..
وفي الآونة الأخيرة ، اتهمت الإدارة الأميركية الأوروبيين بالمسؤولية عن انتشاره في الولايات المتحدة. ومع ذلك ، لا يعرف الفايروس حواجز الطبقة أو الانتماء الاجتماعي ، فمن المرجح أن يساهم الجميع في انتشاره داخل المجتمع. وبالتالي ، فإن الكفاح الفعّال ضد هذه الآفة يتطلب إدراكاً جماعياً بأن هذا الوباء هو مسؤولية الجميع وأنه لا يمكننا الخروج منه إلا معاً.. ومن أجل المزيد من التنسيق والنجاح ، لايحتاج الأشخاص الذين يقودون المعركة في المستشفيات ودور المسنين والشركات والمكاتب الوزارية الى التباعد الاجتماعي بل الى التقارب فيما بينهم فمن الضروري وجود مستوى عال من التضامن والشعور القوي بالانتماء ..وأن يدرك الغالبية منا طبيعة التهديد وأن القلق أو حتى الألم الناجم عن هذا الوضع غير المعروف يمكن مواجهته من خلال العمل المنسق والفعال بدلاً من السلوك الفردي والعشوائي وغير المجدي ، فضلاً عن التعبئة بروح التضامن من أجل رعاية مصالح جميع السكان على أفضل وجه ، وخاصة الفئات الأضعف ..
واذا كانت صلاحية الاجراءات الوقائية التي تتخذها السلطات السياسية من حيث التباعد الاجتماعي أمرا لاجدال فيه ، فعلينا ان نعزز الترابط الاجتماعي عبر الشبكات الاجتماعية لتخفيف العبء عن المسؤولين عن الاطفال أو المرضى حتى عندما يكون من الضروري الاستمرار في العمل عن بعد ..نحن ندرك ان غياب العلاقات الجسدية والتباعد الاجتماعي لايمكن ان يستمران للأبد لكننا على يقين من ان التقارب الاجتماعي هو ماسينقذنا ..واذا كان " حظر التجول ليس مفيدا جدا " فليس من المفيد أيضا حبس كبار السن فقط من الذين تزيد اعمارهم عن 65 عاما ، خاصة وان نصف مجلس الشيوخ ومسؤولي الحكومة من الذين تجاوزوا هذا السن ، فهل ينبغي احتجازهم أيضا ؟!
* أستاذ علم النفس الاجتماعي ، جامعة لوفان