الكهرباء هو اكبر عصب حي للحياة البشرية على كوكبنا، فهو عصب الصناعة و الاقتصاد و الثقافة و المعرفة و الاتصالات في عالم اليوم، و لم يكن تهديد وزير الخارجية الاميركي جيمس بيكر مطلع التسعينات، لدكتاتورية صدام حينها و علناً ( انكم اذا اصررتم على مواقفكم، فاننا سنعيد العراق الى زمن ماقبل الكهرباء) لم يكن صناعة كلام تهديدي، و لم تكن خطة لينين مطلع القرن الماضي المسماة (كهربة روسيا) مجرد تصعيد معنويات، من اجل بناء دولة و وطن مترامي الاطراف حوّل روسيا من دولة فلاحين الى قطب عالمي من قطبين، دامت اكثر من سبعين عاماً و لاتزال رغم التغييرات . . فالكهرباء هو الحياة و لاحياة بلا كهرباء . .
الأمر الذي حوّل ملف الكهرباء من ملف خدمي الى ملف سياسي عسكري و ستراتيجي، حتى صار الكهرباء هو المفصل الأكثر حيوية مع النفط، للحياة و الإعمار في العراق، بوصف ابرز المتخصصين في قطاع الطاقة و في القضية العراقية . . و صار الشرارة التي فجّرت انتفاضة تشرين 2019 بعد ان انطلقت و تواصلت اوسع الاحتجاجات و المطالبات في مدن العراق بسبب انقطاع الكهرباء، و التي ووجهت بالحديد و النار و تسببت بسقوط مئات الشهداء و عشرات آلاف الجرحى و المعوقين و المختطفين الذين ضاعت اخبارهم من الشابات و الشباب . .
و يشير برلمانيون الى ان وزارة الكهرباء تأسست من البداية على اسس فاسدة سمحت و تسمح بالفساد، و يشير آخرون الى ان وزارة الكهرباء و بنائها و عقودها و من تسلّمها جاءت على اسس مقصودة من دول و قوى عالمية و اقليمية و لتنافسها بينها و لفساد مسؤولين داخليين، لجعل العراق (دولة تابعة) خوفاً منه على مصالحها، كدولة ثرية ارضاً و ماءً و بناءً يشكّل الشباب فيها بحدود الـ 70% من عموم شعب نشيط مؤهل يحب الحياة .
حيث تشكّلت بلاخطط و لا برمجة و لا خطط صيانة و لا اعادة بناء للمنشآت الكهربائية، نشط فيها من سعى لجعل العراق تابعاً للارجنتين، و منهم القيادي الكبير صاحب الالقاب و النفوذ في اكثر من حكومة، الذي كذّب باستعداد الدولة لتصدير الكهرباء عام 2014 . . !!
حتى صارت البلاد بلا كهرباء منتظم و المتوفر مضطرب الشّدة الذي ادىّ الى احتراق و خراب محطات و محوّلات اضافة الى انواع الاجهزة الكهربائية في المؤسسات و البيوت التي تزداد فقراً اصلاً . . و ادىّ ذلك الى صعوبات تصفية و تعقيم المياه و غياب الماء الصالح للشرب، و الى تعطّل خدمات العديد من المستشفيات في زمن الجائحة العالمية، و الى فقدان الآليات الاساسية للصناعة و الزراعة و التجارة و الرقابة و السيطرة على المنافذ الحدودية في زمن اضطراب الانترنت. و يرى متخصصون صناعيون في ان مايجري، هو لغرض تحطيم الصناعة و جعل العراق تابعاً عائشاً على البضائع المستوردة .
و تحوّل ملف الكهرباء في البلاد فعلياً و مباشرة من ملف خدمي الى ملف سياسي، بسبب كثرة و توالي الانقطاعات التي حوّلت الحياة العادية الى حالة لاتطاق بسبب الحر القاتل صيفاً و البرد القاتل شتاءً، و بسبب الوعود المتكررة الكاذبة للوزراء المتعاقبين بلا طائل . . و كلّ حكومة ترمي بالذنوب على التي قبلها. و حتى كشفت انتفاضة تشرين على لسان برلمانيين و مسؤولين، بأن فساد وزارة الكهرباء هو اعلى فساد في مؤسسات الدولة، فيما تواجَه التظاهرات التي تتصاعد مطالبة بالكهرباء، تواجه ذات اساليب القمع بلا رحمة، من المواجهات بالعنف و القتل بالكواتم و الاختطافات . . (يتبع)