فاجعة تفجير جديدة تطوح بحياة 32 عراقياً وعشرات اخرى من الجرحى من الباحثين عن لقمة العيش لعوائلهم في مركز بغداد اليوم. وقد سبق للإرهابيين ان استهدفوا في عملياتهم الانتحارية ساحة الطيران مكان جريمة اليوم كثيراً, لكونها تشهد اكتظاظاً للمتبضعين الفقراء وتجمعاً غفيراً من بائعي البسطات وعمال المساطر ( المياومة ) الذين ينتظرون بلهفة فرصة عمل, وكذلك بائعو الملابس المستعملة ( البالات / اللنكات ) وسواق التك تك…
الدولة مسؤولة اولاً بحكم واجبها الدستوري بحماية المواطنين وتوفير الأمن والأمان من كل تهديد, وضمان سير حياتهم سالمة مطمئنة… ولكنها أخفقت في فترات سابقة وآخرها في حماية شباب انتفاضة تشرين المجيدة من بطش الميليشيات.
طريقة تنفيذ الجريمة واسلوبها بالتفجير الانتحاري المتتالي يشير بوضوح الى الدواعش, حيث شهدت أسواق وساحات ومدن العراق, في السنين الماضية, عمليات انتحارية مشابهة لهم.
دأب المسؤولون العسكريون وقادة ميليشيات على التأكيد على تحقق الانتصار على داعش كقوة متحكمة, حيث لم يبق منها سوى فلول وذئاب منفردة, يسهل التعامل معها.
ولأن الحديث غالباً ما يدور عن أن الحرب مع داعش لم تعد حرب مواقع ومواجهات واسعة وتحرير اراضي بل تحولت الى حرب استخباراتية, تهدف الى اختراق خلاياها, لمعرفة أمكنة اختباء ارهابييها ومخططاتهم الدنيئة والقيام بعمليات استباقية لإفشال اختراقاتهم الأمنية وشل تحركاتهم.
لذا فإن المسؤولية الأكبر تقع على الأجهزة الاستخبارية ودورها وفعاليتها… لكن تعدد تشكيلاتها وتوزع مصادر القرار على جهات مختلفة, أضعف من تأثيرها وحد من فعاليتها..
اشار بعض الخبراء الأمنيين في شؤونها بأنها لا تنسق, بالضرورة, فيما بينها, او غياب انسيابية فعالة في تبادل المعلومات في الوقت المناسب, او تخضع للحجب لدواعٍ سياسية او مصلحية.
فنحن نرى اجهزة تابعة للدولة مثل جهاز استخبارات للجيش والشرطة وأخرى تأتمر بأمرة الحشد الشعبي والبيشمركة… واخرى, فضحت أحداث انتفاضة تشرين المجيدة دورها التعسفي, هي أجهزة الأستخبارات الرديفة المرتبطة بالميليشيات التي تصدت لثورتهم, وقامت وتقوم بعمليات تجسس وتعقب ومتابعة لتنفيذ عمليات اغتيال, بالبداية, كما حدث مع الشهيد صفاء السراي, وزملاءه المقربين. بالقنابل المسيلة للدموع ولاحقاً بالكاتم لشهداء آخرين... أو اخضاع الثوار المختطفين الى استجواب غير قانوني في أقبية تعذيب تابعة لهم وانتزاع اعترافات ملفقة ضدهم, وحتى تغييب آخرين.. ولا ننسى تحول بناية المطعم التركي الى موقع رصد لتحركات المنتفضين, تحت سمع وبصر السلطات الحكومية, لتحديد الأكثرهم نشاطاً لاقتناصه أو لقنصه.
وأصبحت ظاهرتي " الصكاكة " الجواسيس المأجورين أو " المخبر السري " براتب رسمي, أمراً معروفاً لدى العراقيين, تضرر منهما الكثير وباتتا سبباً للاحتجاج.
ان العمل الاستخباراتي المنفرد, كل لحسابه, يوفر ارضية خصبة للفساد والابتزاز السياسي, ومنفذ سهل لاختراقات اجهزة استخباراتية أجنبية لها وهو ما يقوض كيان الدولة وأجهزتها الأمنية واستقرار البلاد.
لقد سجلت داعش, اليوم وللأسف الشديد, بجهازها المتداعي اختراقاً لكل هذه الأجهزة المكينة و أثخنت المواطن العراقي بالجراح والآلام.
لذا, وبعد هذه الجريمة, وللثأر للشهداء ولقطع دابر القتلة, يجب توحيد الأجهزة الاستخبارية تحت إمرة قيادة وطنية مجربة واحدة ولا مجال لتعددية الرؤوس الاستخبارية !!!
اليوم, في ساحة الطيران وقرب جدارية فائق حسن, تعانقت أرواح الشهداء مع حمامات فائق حسن البيضاء المرفرفة… واصبح لشجن هديلها وقعاً أكثر حرقة !