المشاريع التي ظهرت بعد الاحتلال ( 2003 ) فيما يخص شكل الدولة القادم على ما نتذكر ثلاث مشاريع.. واليوم هناك قوى تدفع بالتخلي عن الدولة المدنية في سبيل الدولة الدينية والتقاسم بين فقاء الشيعة والسنة في قانون المحكمة الاتحادية الذي سيخلق مشكلة لا نهاية لها بين الطوائف التي تكون الشعب العراقي.
1ـــ مشروع الدولة الإسلامية على أسس طائفية بهيمنة أحزاب الإسلام السياسي الشيعية والسنية تحت يافطة الإسلام وتحويل مؤسسات الدولة الى مؤسسات إسلامية بما فيها الدستور وقانون المحكمة الاتحادية والاحوال الشخصية والبرامج التعليمية ...الخ
2 ـــ المشروع الأمريكي حول الارتباط العضوي بالعالم الخارجي، بقاء قوات الاحتلال والهيمنة على مفاصل الاقتصاد الوطني وهذا ما اعترف به مؤخراً رئيس الوزراء السيد مصطفى الكاظمي
3 ــــ المشروع الوطني بخصوص الدولة المدنية الوطنية الديمقراطية وفي هذا المجال وضحَ التقرير السياسي للمؤتمر التاسع للحزب الشيوعي على مسألة في غاية الأهمية وهي أنه "بعد 9 نيسان 2003، شعبنا أمام مهمة أساسية مزدوجة، يتلازم فيها الوطني مع الديمقراطي، والسياسي مع الاجتماعي، أي إنهاء الاحتلال واستعادة السيادة الكاملة من جهة، وإعادة بناء الدولة العراقية على اسس دستورية ديمقراطية اتحادية وتحقيق تنمية اجتماعية – اقتصادية وضمان رفاه المواطنين، من جهة أخرى." وطرح قبل ذلك "المشروع الوطني " كأفضل مشروع تضمن الأسس الوطنية العلمية لقيام الدولة المستقلة، إلا ان الدستور العراقي 2005 حسم الامر تقريباً وعلق الدولة المدنية في الوسط قابلة للاستغلال والتفسيرات على أساس المصالح الضيقة.
الدستور العراقي الذي حظي بموافقة ملايين العراقيين على الرغم من المثالب التي رافقت سن الدستور على أمل العودة لاستكمال مهمة إلغاء او تعديل البعض من المواد والى حين التعديل يجب الاخذ بالدستور كجهة قانونية تستند عليها الحكومة والدولة والمجتمع بأكثرية منظمات المجتمع المدني والقوى السياسية التي شاركت بالاستفتاء والعملية السياسية، لقد سبق الدستور عام 2005 اعداد وثيقة " قانون إدارة الدولة المؤقت " حيث جاء فيه عن الطابع التعددي الديمقراطي للدولة العراقية، إضافة الى النظام الاتحادي واللامركزية وغيرها من قضايا تقترب بشكل واضح من الدولة المدنية وليس الدولة الإسلامية، ومرت منذ الاستفتاء على الدستور مراحل عديدة وتطورات مختلفة بما فيها قضية التعديلات التي تخدم الإصلاحات التي يتطلبها النظام السياسي العراقي بعد ظهور مخاطر عديدة تهدد كيان العراق والذهاب الى التقسيم اذا لم تجر معالجة هذه الثغرات ولا سيما ترفع مجددا رؤوس النفاق السياسي الإسلامي بعد طرح قانون المحكمة الاتحادية الذي خلق فجوة عميقة بين المكونات العراقية وقلقاً على مصادرة الحريات وخاصة تلك التي تمس الحياة الشخصية وما يعني التوجه الى تحويل الدولة الى دولة إسلامية المنهج من خلال أسلمة البرامج والمؤسسات مثلما جاء في خطبة رجل الدين محمد القبانجي ونشرته أكثرية وسائل الاعلام والسوشيال ميديا ( التواصل الاجتماعي ) وعلى ما يبدو ان القوى الظلامية والبعض من قوى الإسلام السياسي وبخاصة الشيعية منها أحست بالخطر المحدق برفض أكثرية الشارع العراقي مشروعهم والتحول نحو إقامة الدولة المدنية وفصل الدين عن الدولة ، وظهر جلياً في " التعامل الانتقائي للأطراف الحاكمة مع مواد الدستور" ولا نريد الولوج في نقاط الانتقاء لمواد الدستور بقدر المحاولات الجديدة الى فرض قانون المحكمة الاتحادية الذي هو فاتحة الطريق الى مؤسسات لتشييد الدولة الإسلامية، والبيان الذي صدر من قبل المؤتمر الصحفي لقادة وممثلي القوى والأحزاب والمنظمات الموقعة على البيان الخاص حول قانون المحكمة الاتحادية دليل حي على مدى الرفض الواسع لهذا القانون الرجعي غير الحضاري، وكشف البيان الذي نشرته جريدة طريق الشعب والذي وقعهٌ حوالي (31) منظمة وحزب وتنظيم ومنظمات المجتمع المدني إضافة الى مئات الشخصيات الوطنية والأكاديمية والثقافية والإعلامية مؤكداً" يواصل مجلس النواب التصويت على مواد مشروع قانون المحكمة الاتحادية، وسط مخاوف من ان يؤدي تمريره بصيغته الحالية الى إشكالات عدة، ويزيد من حدة الانقسام في البلاد، ويخل بالتوازن في مجتمعنا العراقي المتسم بالتنوع" انها مصيبة أخرى من مصائب نظام المحاصصة والفكر الظلامي الذي يرى في الدولة المدنية خطراً على مصالحهم وتوجيهاتهم ولهذا بعد محاولات كثيرة لتحجيم الهوامش الديمقراطية واستغلالها حسب نظرتهم وهيمنتهم الهادفة الى عدم تطوير مفهوم الدولة المدنية والخلاص من نظام المحاصصة والتبعية فقد استمروا في التوجه واتخاذ أساليب تتناقض مع الدستور وتحد من الحريات الشخصية والعامة وهذا الأمر هو بمثابة مخالفة "من طرف السلطات الحكومية للمادة 38 من الدستور، ذات الصلة بحق المواطن في التعبير عن الرأي " إلا أن الانتفاضة التشرينية والسيل الجماهيري المعارض الذي وقف موقفاً واضحاً من هذه الأساليب والتفسيرات لاستغلال البعض من مواد الدستور وبهذا انتقل الأمر الى قانون المحكمة الاتحادية لكي يتم تمرير المخطط الهادف لفرض الرأي الواحد، وتنميط المجتمع وتأطيره وفق طروحات " الاسلام السياسي" ولأسلمة مؤسسات الدولة، إن هذا القانون يكاد ان يكون بالضد من جميع مكونات الشعب غير المسلمة ذات التنوع الديني والقومي والمذهبي التي هي جزء من الشعب العراقي، القانون بصيغته المذكورة سوف يثير المشاكل وخلق المطبات التي من الصعوبة بمكان إيجاد حلول لها، وقانون المحكمة الاتحادية يجب ان يحمل في نصوصه التوجه لحل أي اشكال في المستقبل فيما يخص العلاقات التاريخية بين جميع أطياف الشعب لا أن يكون أداة للتفريق وتمزيق العلاقة بين الشعب وإيجاد الممكن في تقوية العلاقات وإيجاد الأساليب العملية التي تساعد في الإنقاذ والتخلص من الأزمات السياسية والاقتصادية والمعيشية الخانقة ولا سيما نسبة الفقر الكبيرة التي تزداد يوماً بعد آخر وما تتركه المرحلة الأولى لجائحة الكورونا من تداعيات زيادة نسبة الفقر الى حوالي 32% وتجري محاولات حميمة الى هبوطها الى 25% وقد أعلنت وزارة التخطيط عن وجود حوالي أقل من " 10 ملايين شخص عاطل عن العمل " وهي نسبة محددة من إجمالي الفقر في العراق الذي بات بأمس الحاجة لإجراء تعداد سكاني بعد الخروج من مأزق جائحة كورونا والسعي لتوفير الإمكانيات المالية والفنية لنجاح التعداد السكاني.
يبقى قانون المحكمة الاتحادية في حلته الحالية خطراً على الشعب العراقي كأنه قانون " انت وربك يا موسى " وبخاصة وجود قوى تعمل باتجاه مخطط إقامة الدولة الإسلامية بدلاً من الدولة المدنية، وهناك تصدي حقيقي لإفراغ قانون المحكمة الاتحادية من حياديته ويشير عقيل الرديني القيادي في ائتلاف النصر "رفض الاقليات وجود فقهاء الشريعة داخل المحكمة الاتحادية والتشكيك هو في هوية الفقيه ومن يقوم باختياره، ونحن نؤكد ان المحكمة الاتحادية خيمة القضاء على الشعب العراقي ويجب الابقاء على حياديتها" ولم يقتصر الامر على تشويه الحيادية من قبل البعض بل ذهب في محاولات تشويه فكرة المطالبين بالدولة المدنية كأنه دعوة للمساس بالإسلام وهي محاولات بائسة فالدعوة الى قيام الدولة المدنية الديمقراطية يعزز فكرة حرية الاعتناق الديني أو الايدلوجيا ،حرية الأشخاص الخاصة والعامة وليس بالضد من مبادئ الشريعة الإسلامية والدين او التقليل من أهميته الروحية، نحن بحاجة ماسة الى قانون عادل ومتوازن لا يخلق خللاً في العلاقات بين أطياف الشعب العراقي الموسومة بالفسيفساء المتنوعة الجميلة، قانوناً حضارياً يكون أساساً للبناء والتقدم بدلاً عن الجهل والظلامية .