يُتداول في الخطاب السياسي العراقي هذه الايام موضوع الصراع بين الدولة واللادولة. وفيما يمكن تحديد القوى التي تتبنى موضوعة الدفاع عن شرعية الدولة وفرض هيبتها، فان جماعة اللادولة لا يكشفون وجوههم ولا يدعون وصلا بها، مع أنهم ليسوا فضائيين ولا أشباح، بل جهات معروفة تحاول فرض إرادتها كرديف للدولة، وتهدد الأمن وتعيق الاستقرار خدمة لمصالح لا تمت للشعب العراقي بصلة.
ويالها من مفارقة ان يجري الصراع بين من يريدون للعراق ان يكون دولة ومن لا يريدون، وهو البلد الذي كان يوم ٢٦ آيار ١٩٤٥ ضمن الخمسين دولة التي أسهمت في تأسيس منظمة الأمم المتحدة، وأصبح يوم ٢١ كانون الأول ١٩٤٥عضوا أصيلاً في هذه المنظمة الدولية، التي تمنح الاعتراف للدول التي تنال الاستقلال و تحقق سيادتها.
وقبل ذلك وبالتحديد في ٣ تشرين الأول عام ١٩٣٢، نال العراق إستقلاله الرسمي وأصبح عضوا في عصبة الأمم المتحدة. وبعدها جاء يوم ١٤ تموز عام ١٩٥٨، ليعلن فيه النظام الجمهوري ويخرج من حلف بغداد ومن كتلة الجنيه الإسترليني ويحقق الاستقلال التام.
لا تستطيع أية قوة أن تلغي شرعية الدولة العراقية، التي عرّفها دستور ٢٠٠٥ في مادته الأولى بأنها (دولةٌ اتحاديةٌ واحدةٌ مستقلةٌ ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوريٌ نيابيٌ (برلماني) ديمقراطيٌ، وهذا الدستور ضامنٌ لوحدة العراق.). حتى الاحتلال الامريكي الذي جاء أثر غزو الولايات المتحدة وحلفائها لم يستمر طويلا، حيث أخذت مقاومته كل الأساليب والاشكال المشروعة. وجاءت الاتفاقية العراقية - الامريكية المعقودة في ١٧ تشرين الثاني ٢٠٠٨، لتنهي الاحتلال رسميا في ١٥ كانون أول ٢٠١١. وتبقى على جدول عمل القوى الوطنية مهمة إخراج آخر جندي أمريكي من العراق، وهي مهمة لا يجب الابطاء في إنجازها الذي يتطلب تعزيز قدرات الجيش العراقي وبقية الأجهزة الأمنية، وإحتكار السلاح من قبل الدولة.
إرتباطا بذلك يتوجب على قوى الدولة، التي تقع ضمنها الأحزاب والقوى والشخصيات الوطنية الديمقراطية والمجتمع المدني بمعناه الواسع، أن توحد جهودها وتنسق عملها في المجابهة المطلوبة، انتصارا لمشروع بناء دولة مستقلة كاملة السيادة. وهذا لا يعني إطلاقا تأجيل الصراع الاجتماعي داخل الدولة، بل يتطلب عدم التردد في خوضه بإتجاه حفظ كرامة المواطن، إنطلاقا من الحرص على موارد العراق واقتصاده ولحفظهما بعيدا عن قبضة الفاسدين والمنصاعين لوصفات إقتصادية وتدابير مالية جاهزة تفرض على العراق من قبل المؤسسات الاقتصادية والمالية العالمية. وهؤلاء الساعون الى وضع العراق تحت هيمنة الرأسمال المالي الأجنبي، لا يختلفون من حيث الجوهر عن قوى اللادولة في سعيها لاضعاف العراق وتجويع شعبه.
ان الاستقلال والسيادة لا يعنيان مجرد إخراج الجيوش المحتلة والمليشيات المنفلتة وإنهاء سلاح العصابات، بل يتطلبان في نفس الوقت التصدي لكل السياسات التي تفرض على العراق من قبل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ولوصفاتهما التي تؤدي الى المزيد من إفقار الشعب، عبر توسيع الفجوة المعيشية بين الفئات محدودة الدخل والمهمشة والفقراء من جانب، وطغمة الفساد وأصحاب الترليونات من الجهة الاخرى.
ولا نأتي بجديد حين نشير الى ان وراء الأرادات الخارجية مصالح دول لم تكن يوما ولن تكون معنية بمصالح الشعب العراقي وبحفظها.