اختلفت الروايات حول مصير قاسم محمود كريم مصلح الخفاجي، قائد عمليات غرب الأنبار في الحشد الشعبي. كما تعددت الاحاديث حول أسباب اعتقاله يوم ٢٦ أيار ٢٠٢١، الذي تم على يد اللجنة الدائمة للتحقيق في قضايا الفساد والجرائم الهامة، التي يرأسها الفريق احمد أبو رغيف “بناء على مذكرة قبض وتحري قضائية صادرة بتاريخ ٢١ ايار ٢٠٢١، وفق المادة 4 من قانون مكافحة الإرهاب” كما جاء في بيان الاعلام الأمني.
على إثر ذلك شنت الجيوش الالكترونية للطرفين حربا لا هوادة فيها ولا نهاية لها، حربا إعلامية جرت ادارتها ببراعة وفن، وتمكنت من تشتيت أذهان المواطنين وحرمتهم من المعلومات الصحيحة. فطرف يؤكد ان هدف الاعتقال هو الاقتصاص العادل من مصلح نظرا لدوره في تصفية الشهيدين إيهاب الوزني وفاهم الطائي، فيما يكيل الطرف الثاني لحكومة الكاظمي تهم الانصياع لواشنطن، ويدعي ان الأخيرة هي من أمر بالاعتقال بسبب دور مصلح في استهداف القوات الأمريكية في قاعدة عين الأسد. وخلال ذلك سكت اعلام الحكومة ومعه المؤسسات ذات العلاقة، ولم يصدر أي بيان رسمي يوضح ملابسات الاعتقال وخلفياته، ويفند حرب الاشاعات، ويجيب على استفسارات المواطنين وينهي حيرتهم اللاحقة.
وضاعت المعلومة بين تسليم المعتقل الى لجنة تحقيق رباعية يشكل الحشد احد اطرافها، وبين تسليمه الى قوات الحشد اسوة بما جرى مع مجموعة الـ 14المسلحين في منطقة البُوعيَثة أواخر حزيران 2020، الذين اطلق سراحهم في الليلة نفسها إثر استنفار الحشد قواته مساء يوم الاعتقال ودخولها المنطقة الخضراء وتمترس قسم منها عند بوابة القصر الرئاسي.
واختفت المعلومة وبقيت حتى اللحظة حبيسة مكاتب رئيس الوزراء وقادة الحشد. لكن سكوت الحكومة وعدم اجابتها على أسئلة المواطنين المتطلعة الى الصدقية والوضوح، وترك المواطن الذي له الحق في الحصول على المعلومة الصحيحة من مصدرها الأساسي ضحية حرب اشاعات الجيوش الإلكترونية، هو تقصير ملموس واستخفاف بالمواطن وتجاوز على حقه الدستوري. كما تكمن الغرابة في غياب رئيس الحكومة عن الاعلام في تلك الأيام، بينما كان حضوره الإعلامي دائما ولحد الافراط.
عندما تحجب الحكومة معلوماتٍ تخص موضوعا شغل الرأي العام، وبالتحديد بعدما تردد ان سبب الاعتقال هو دور المتهم في اغتيال الناشطين الكربلائيين في حركة الاحتجاج، خصوصا بعد اشتداد مطالبات حركة الاحتجاج بالكشف عن قتلتهما.. عندما يسكت اعلام الدولة عن تقديم معلومة تطمئن المحتجين، فهذا لا يعني انتهاء الأسئلة حول مسار التحقيق، وعدالة القاضي المختص وقراره القاطع. فالمواطن يتطلع الى تعزيز هيبة الدولة بتطبيق القانون، وعدم الكيل بمكيالين، وان تأخذ العدالة مجراها، وأن تتاح المعلومة للمواطن ويُضمن حقه في الوصول اليها، وان تحسم هذه القضية وكل قضية تتصل بتهم القتل والفساد وفقا للإجراءات القانونية السليمة. فان وجد المتهم غير مذنب تبرأ ساحته علنا، ويعوض عما لحق به من اذى. فهذا حق له وواجب على الحكومة. واذا كان لا يزال قيد التحقيق، فعلى الحكومة ان تقول شيئا. فالتكتم على المعلومات اذا صار نهجا، يكون الكلام عن العلانية والشفافية اللتين هما من عناصر النظام الديمقراطي، كلاما ومحض كلام.