يدور الحديث هذه الأيام عن عقد مؤتمر وطني لبعض قوى تشرين وناشطي الاحتجاجات والأحزاب والشخصيات المدنية الديمقراطية، للبحث في إنضاج رؤية مشتركة وبرنامج نشاط وآليات عمل، تسهم في تصعيد كفاح هذه الاطراف من اجل التغيير الديمقراطي المنشود، وبالأساليب السلمية التي برعت فيها وتمسكت بها رغم البطش والقمع والتصفيات والاختطافات وكل أساليب الترهيب والترغيب، التي لم تكف طغمة الحكم عن ممارستها.
ويمكن القول ان التحضير لعمل تنظيمي يرتقي الى مستوى عقد مؤتمر وطني، هو عمل كبير ومهم لن تقصر القوى المتمسكة بالمحاصصة ومعها مافيات الفساد في وضع مختلف العراقيل أمامه، وفي اطلاق شتى التهم ضد المبادرين اليه، وتوجيه ذبابها الإلكتروني نحو شن حملات تشويه منظمة.
ولكي يكون المؤتمر ناجحا ويحقق الغاية منه، ولكي يتجاوز العقبات ما أمكن، يتوجب تكثيف تشاور الاطراف، وتوسيع دائرة الحوار، وتفعيل النقاش الجاد والمنتج حول اهم جوانب المؤتمر، من حيث تركيبته ومسودات أوراقه ومقترحات قراراته، كذلك تأمين مكان عقده وضمان حمايته، وتوفير تغطيته المالية من تبرعات عراقية مع إعلان مصادرها بشفافية تامة، وشرط الا تكون من أية جهة اجنبية أيّا كانت.
كما ان الوضوح هنا وفي كل اعمال المؤتمر ضروري، وان يكون جزءا من ممارسة سياسة بديلة عن سياسة إخفاء الميزانيات والتستر على الانفاق، التي تميز سلوك المتنفذين.
ويتطلب عقد المؤتمر من قوى التغيير، على تنوع مرجعياتها الفكرية وتعدد رؤاها السياسية، ان تجمع قواها وتواجه بشجاعة وبمسؤولية عالية متطلبات الحاضر، مصحوبة برؤية مستقبلية لمواجهة التحديات وتحويلها الى إمكانيات، وذلك عبر اعتماد آليات عمل ممكنة، وتنسيق الجهود المنصبة على إيجاد صيغة واضحة، تكون اطارا للعمل المشترك ومرتكزا ناجحا للكفاح من اجل حفظ حقوق المواطن وتأمين كرامته.
ويتطلب عقد المؤتمر تهيئة مستلزمات وافية، تمكّن قوى التغيير من النهوض بمشروع التغيير المنشود. ومن هذه المستلزمات إضافة الى ما مر ذكره:
* وضوح الرؤية، أي أن يكون هناك تصور واضح لدى كل مشارك في المؤتمر، واطلاع خلال مدة كافية على أوراق المؤتمر، وان يتاح له الاسهام في بلورة الأفكار الأساسية في الأوراق السياسية.
* توضيح فكرة (المعارضة) المطروحة والتي تعني معارضة نهج المحاصصة والفساد ودولة المكونات، والكفاح بالأساليب السلمية والشرعية لبناء الدولة المدنية الديمقراطية، دولة المواطنة والمؤسسات الدستورية، التي يحترم فيها القانون.
* القيام بالتحضيرات للمؤتمر بصبر وتفان، من دون كلل او ملل او ضيق صدر او تراجع او نكوص، ومكافحة اي احباط قد تولده الصعوبات على الطريق نحو عقد المؤتمر.
* ان يكون المؤتمر محطة لتوحيد جهود وعمل القوى الساعية الى التغيير وقوى الانتفاضة، والا يؤدي الى استقطابات ويثير خلافات جديدة في اوساطها. لذا يتوجب وضع كل الاعتبارات والمنازعات المشخصنة جانبا، والانفتاح على جميع قوى الانتفاضة والتغيير والسعي لتأمين مشاركتها، والتشديد على العمل الجماعي.
* لا يشكل عقد المؤتمر هدفا نهائيا، وانما هو حلقة مهمة في عملية تجميع القوى وتوحيد الرؤى، ونسج اوسع صيغ التعاون والتنسيق وصولا الى التحالفات.
* الاسراع في تشكيل لجنة تحضيرية من الاطراف المعنية، وضرورة الإدارة الكفؤة القادرة على اشراك العقل الجماعي وتفعيله.
* اعتماد الحوار الديمقراطي سبيلا للوصول الى التفاهمات الضرورية، واطلاع الشعب على كل ما يجري في مسار التفاهمات، وإزالة العوائق التي تعترض الطريق.
أخيرا نقول ان لا نصر يتحقق عبر الكفاح العشوائي، وان العمل المشتت لا ينتج فوزا، وان التنظيم يضاعف القوة ويعظّم فعلها. على ان بناء تنظيم من اجل التنظيم لا يشكل غاية، فلا نفع يرتجى من التنظيم ان لم يستند على رؤية واضحة، ويضع اهدافا واقعية قابلة للتحقيق، ومنهاج عمل محدد يضع في الاعتبار حساب موازين القوى، وبما يساعد في خلق الشروط الحقيقية لبناء دولة مدنية ديمقراطية، تعنى بشؤون المواطنين في اطار المواطنة ومن دون تمييز، وتضع المشروع الوطني الديمقراطي موضع التنفيذ، وتجعله بديلا حقيقيا لكل الخيارات الطائفية ولنظام المحاصصة.