العمال العراقيون هم، حسب نتائج استطلاع اجراه مركز “غالوب” العالمي، من أكثر عمال العالم إحساسا بالحزن والقلق والتوتر. والنتائج اعلنت في تقرير نقلته وكالات انباء عالمية وعراقية، وتناول المشاعر التي تنتاب العمال من جميع انحاء العالم، المنخرطين في سوق العمل خلال العام ٢٠٢١. وبيّن التقرير أن “العراق حصل في فقرة الحزن على ٤٣ في المائة متقدماً بذلك على جميع دول المنطقة، تلته إيران بـ ٤٢ في المائة، وجاءت تركيا ثالثا بـ ٣٥ في المائة. فيما بلغت نسبة القلق عند عمال العراق ٥٢ في المائة، ونسبة التوتر ٥١ في المائة
ويصف بعض علماء النفس القلق بأنه “حالة شعورية تحفز المرء على استجابات سلوكية، تستهدف تقليل التهديد الذي يتعرض له”. لكن ارتباط القلق بمشاعر الخوف والتوتر، يجعله في خانة السلبية حسب نظرة علماء آخرين يعدونه “تجربة شعورية تنطوي على أفكار مزعجة ومستمرة بشأن المستقبل”. يبرهن على ذلك تقارب معدل نسب الأرقام التي تعكس مشاعر الحزن والقلق والتوتر، وهذا يؤكد خطورة الأوضاع النفسية السلبية التي تنتاب العمال العراقيين.
ولو عممنا عيّنة الاستطلاع التي تخص العمال المنظمين الى سوق العمل خلال الأشهر الستة الاولى من هذا العام، وشملنا بها طبقات وشرائح اجتماعية أخرى، لوجدنا ان مشاعر القلق والتوتر والخوف تنتاب اقطاعات اجتماعية واسعة، ويشكو منها طيف كبير من الشعب العراقي. يضاف الى المشاعر السلبية الخانقة ان الأوضاع العامة والأزمات المستفحلة لا تبعث على الاطمئنان، والمتوقع هو ارتفاع معدلات الأرقام المذكورة في أوساط الشباب العاطلين من العمل، فضلا عن مشاعر الإحباط والخذلان والخسارة التي يعانون منها.
ويجد المتابع للأوضاع المعيشية والحياتية للقطاعات غير المنظمة من الكادحين، واصحاب الدخل المحدود، والفئات المعوزة والمهمشة، يجدهم يعانون من شظف العيش، ما يضعهم تحت ضغط نفسي هائل، لا مخرج منه ولا متنفس نتيجة للازمات العامة وانعكاساتها على الحياة الاجتماعية والمعيشية والمالية والصحية للمواطن، المتعب من الفقر والعوز والحرمان وقلة الخدمات، الى جانب القلق من الحاضر والخوف مما يضمره المستقبل، بسبب فشل الحكومات في وضع وتنفيذ سياسات وبرامج اقتصادية – اجتماعية ذات جدوى، والتخبط في إدارة الدولة ومواجهة تأثيرات المحاصصة والفساد.
ولا يبدو ان هناك افقا واعدا يمكن ان تأتي به طغمة الحكم، ولا امل في تغيير يمكن ان تقدم عليه، ولا خطوة يمكن توقعها تمسح آثار الحزن وتبدد القلق وتخفف من حدة التوتر. وهكذا فلا رهان على المتنفذين على صعيد تحسين حياة المواطنين، وهم الذين اوصلوا الشعب الى هذا الوضع الخطير.
الا ان الشعب يبقى، رغم كل ما ذاق من مرارات، الوحيد القادر على إزاحة كل من شارك في صنع تعاسته، وأصبح مصدرا لحزنه. فالقلق قد يدفع الانسان في لحظة ما الى الابداع، واللامبالاة قد تتحول في الساعات الفارقة الى سخط منظم، ويمكن لعدم الرضا ان يصبح فعلا يزيح الظالمين. فثورة المحرومين السلمية اذا اندلعت لن يوقفها ساتر، او يصدها سياج، او يحبطها القمع التي برعت السلطات الغاشمة في ممارسته، كما لن تكسرها وسائل القهر التي يتفن المستبدون في تنويع اشكالها.
المزاج السلبي شأنه شأن الرأي العام، ليس حالة دائمة، ويمكن ان يتغير الى فعل ثوري حالما تحين الساعة.
و قديما قالت العرب “احذر الحليم اذا غضب”.