بعد اعلان عدد من الأحزاب والتيارات والكتل السياسية مقاطعتها لانتخابات تشرين القادم، راحت قوى أخرى، تحمست الآن للانتخابات، تشدد على ضرورة اجرائها في موعدها المحدد، وتحاجج بانها مطلب شعبي، وتسعى أيضا الى إضفاء طابع شرعي على ما تقول وتدعي.
لا خلاف على ان الانتخابات المبكرة مطلب من مطالب انتفاضة تشرين وقوى حراك اخرى سياسية وجماهيرية وأحزاب وطنية، وهي ارادت منها ان تجري بنحو مبكر وفِي أجواء انتفاضة تشرين التي حاصرت القوى المتنفذة في أضيق الزوايا، وعرّت مواقفها، وكشفت حقيقة كونها تعمل بالضد من مصالح الجماهير الواسعة، وكون الهمّ الأول للأقلية المتنفذة الحاكمة هو ادامة نفوذها وسطوتها على حساب جوع وفقر ومرض الملايين، وعلى حساب تخلف بلادنا في سائر المؤشرات والصعد ، فضلا عن الانتهاك المستمر للسيادة ومصادرة القرار الوطني العراقي، وفسح المجال للتدخلات المشينة في شؤون وطننا .
ان الأقلية الحاكمة المتنفذة التي تتباكى اليوم على الانتخابات بدعوى انها مطلب شعبي، هي من اغرق المطالبين بها في انتفاضة تشرين بالدم، بل وكال للانتفاضة ولا يزال مختلف التهم في مسعى متواصل لتشويه سمعتها. علما ان هذا ليس موقفهم من الانتفاضة فقط، وانما هو ديدنهم ازاء كل حراك جماهيري ومطلبي. وفيما أرواح الناشطين وأصحاب الرأي لا تزال تزهق ظلما، لم يرف لهذه القوى جفن تجاه عمليات الاغتيال، التي اصبح فاعلوها معروفين للداني والقاصي، باستثناء السلطات الثلاث التي تدفن رأسها بالتراب.
ان القوى المتنفذة التي تتمسك اليوم بالانتخابات وباجرائها في موعدها، هي آخر من يحق له الادعاء ان مواقفه تنسجم مع مطالب الانتفاضة والفئات الشعبية. فالمتنفذون على طرفي نقيض مع الانتفاضة وأهدافها وعلى طول الخط، وهما لا يلتقيان وان اظهر البعض في بعض الاوقات خلاف ما يضمر.
علما ان العديد من هذه القوى لم يكن فقط معاديا وقامعا للانتفاضة، بل كان حتى متحفظا على إجراء الانتخابات، وهو من ماطل وسوّف، وأجّل موعدها الذي طالبت به الجماهير المنتفضة وقتها.
ومن الواضح ان موقف هذه القوى لم ينكشف، الا بعد ان فصّلت القانون الانتخاب على مقاساتها، وبما يؤمن استحواذها على مقاعد تضمن سطوتها وتحكمها بالقرار.
وتاتي هذه التطورات في ظل عجز مؤسسات الدولة، التنفيذية والتشريعية والقضائية، وكذلك مفوضية الانتخابات. وهو عجز بيّن عن تأمين شروط ومستلزمات البيئة الانتخابية الآمنة، رغم كل الادعاءات واغداق الوعود. وهناك الكثير من مؤشرات الفشل والعجز عن كشف قتلة المتظاهرين والنشطاء وأصحاب الرأي، وبقاء حيتان الفساد طليقين، وركن قانون الأحزاب على الرفوف، خاصة مواده ذات الصلة بالمال السياسي وامتلاك السلاح. فيما عجزت المفوضية كما قالت هي نفسها، عن مجرد مراقبة أموال الحملات الانتخابية والسؤال عن مصادرها، ناهيك عن متابعة موضوع القوى المدججة بالسلاح والتي على قرقعته واستقواءً به تشارك في الانتخابات.
إضافة الى ذلك، يحصل في هذه الانتخابات على نحو سافر ان تُسمع التهديدات التي تطال عددا من المرشحين.
على ان هناك قوى أخرى تقول رغم كل هذه الظروف، ان المشاركة افضل من المقاطعة ولها مبرراتها. والحديث هنا لا يطول هذه القوى، انما المتنفذين الذين حكموا البلاد منذ ٢٠٠٥ وما زالوا يصرون على مواقفهم، وهم يمارسون ليل نهار الخديعة والتدليس لتبرير ما يعلنون من توجهات. ومن ذلك اكذوبة انسجام مواقفهم مع المطالب الشعبية.
هؤلاء يتوجب فضحهم وتعرية مواقفهم وكشف حقيقتهم، ولن يحقق ذلك الا حراك واسع، متعدد الأنماط والاشكال، وتسهم فيه الجماهير الواسعة المكتوية بنار الازمات والغلاء وسوء الخدمات والبطالة وعدم الاستقرار الأمني وانفلات السلاح.