لا يمكن توقع انتصار على قوى المحاصصة والفساد من دون وحدة القوى ذات المصلحة بالتغيير. النصر على طغمة الحكم يكاد يكون مستحيلا إذا بقيت القوى المدنية مشتتة ومتفرقة. ولا يمكن تصور إزاحة القوى المتنفذة وحصر نفوذها، ان لم تتوحد القوى المدنية في إطار تحالفي مرن يتسع لجميع القوى الوطنية والديمقراطية بمختلف تلاوينها وبتنوع اتجاهاتها الفكرية وتعدد اطرها السياسية. وستبقى قوى الفساد متصدره للمشهد السياسي، تواصل نهب الأموال العامة بكل الطرق من دون رادع، في غياب إرادة وطنية متصدية بقوة وبحزم.
لا يمكن توقع تنازل القوى الماسكة بالسلطة بسهولة وبساطة وسلاسة، فمن مميزات طغمة الحكم نزعة التمسك بالسلطة، التي توفر لها السطوة والنفوذ والمال السياسي، والشرعية وان كانت زائفة، وهي تستخدم كل السبل الشرعية وغير الشرعية، لتأمين بقائها في السلطة. وما البيئة الانتخابية، وقانون الانتخابات الذي شرعه مجلس النواب والذي يصب في مصلحة المتنفذين، والإدارة الانتخابية التي يتكون جسمها الأكبر من امتدادات قوى السلطة، الا ما شرع ونظم من قبل المتنفذين، بهدف حفظ السلطة وغلق كل الأبواب امام قوى التغيير. ولا يمكن ولو بالحلم تصور اقدام طغمة الحكم بمحض ارادتها على فتح كوّة وان كانت صغيرة، لتنفذ منها قوى التغيير الحقيقي الى مصدر القرار السياسي للدولة.
وبالصراحة التامة، حتى لو افترضنا توفر الشروط الموضوعية كاملة لقوى التغيير، فلن يكتب لها النجاح ان لم توحد رؤيتها وقواها وتحشد امكانياتها لمواجهة قوى الفساد ودحرها، وتحقيق انتصار يعيد للعراق كرامته ويحقق للشعب طموحه الى العيش الرغيد.
المفرح ان هناك عددا غير قليل من القوى المدنية، سواء من الأحزاب والشخصيات الوطنية الديمقراطية او من الأحزاب التي تشكلت اثر انتفاضة تشرين، وصلت الى القناعة بضرورة العمل المشترك. وجرت أثر ذلك تحركات وبذلت جهود غير قليلة لتوحيد الرؤية، وتمت صياغة أوراق مهمة، وعقدت سلسلة من الاجتماعات. لكن ما يؤسف له بقاء هذه المحاولات متفرقة، وكل محاولة معزولة عن الأخرى. وأسباب ذلك ليست مجهولة، واغلبها اسباب ليست موضوعية، وانما ذاتية غير مقنعة يغلب عليها المزاج الشخصي، كنزعات التفرد والانانية والاستحواذ والتمهيش، هذه النزعات السلبية التي تجافي السمات الثورية التي شهدناها أيام الانتفاضة، حيث تتجلى التضحية ونكران الذات ويسود العمل الجماعي.
اننا إذ نؤشر بوضوح أهمية وحدة الإرادة والعمل، ونشير الى السلبيات التي ما زالت ترافق الجهود، فانما نهدف الى تجازوها، كي نواجه المهمات الصعبة والأهداف الوطنية الكبرى، التي تتطلب حشد جميع القوى وتوفير كل الطاقات من اجل احداث التغيير، والخلاص من نظام المحاصصة والفساد، واحلال البديل الديمقراطي الحقيقي الذي يؤمّن للمواطنين العيش الكريم وحرية الرأي والحقوق الدستورية.
ان تغيير موازين القوى لمصلحة قوى التغيير والإصلاح أمر ممكن، شرط تحقيق وحدة إرادتها وتنظيم عملها المشترك وحسن ادارته، بما يضمن النصر المؤزر على طغمة الحكم.