عاد الخطاب الطائفي من جديد، بصورته المداهنة، الى الحملات الانتخابية، فيما يتفنن المتنفذون في تمرير سمومهم الطائفية بأشكال شتى، مرة من خلال مفردات مثل: مناطقنا، محافظاتنا، عشائرنا، اهلنا، جمهورنا، والتي تبدو وكأنها محايدة، لكن مقاصد مطلقيها سرعان ما تنكشف، فاذا بها تخفي فكرا طائفيا مقيتا، تفضحه نبرة صوت المتكلم، وموقع هذه المفردات في الخطاب السياسي للمرشح، وطريقة توظيفه لها.
وقد بلغت الصلافة الطائفية لأحدهم حدودا مخزية، حين حاول ان يلمّح بصورة غير مباشرة وبدهاء الى أن خسارة المنتخب العراقي امام ايران هي صورة مكررة لما قام به ابن العلقمي في تسليم بغداد لجيش المغول المعتدي صيف عام ١٢٥٨ ميلادية، في استعارة تاريخية غير موفقة لتعاون مؤيد الدين ابن العلقمي وزير المستعصم بالله اخر الخلفاء العباسيين، الذي تتهمه أوراق التاريخ بالعمالة لهولاكو وتسهيل احتلال لبغداد.
ويلعب عدد من المرشحين على وتر الطائفية، جاعلين من التنافس الانتخابي واحدا من التعبيرات عن "الاستحقاقات" الطائفية والمناطقية. صحيح ان قانون الانتخابات الحالي، لم يترك مجالا للمواطنة في فضاء التنافس، اذ حصر المرشح في حدود المناطقية والطائفية وجعل عددا من المرشحين المسنودين من أصحاب السطوة والنفوذ، يلهثون وراء الأصوات عبر توفير الخدمات البلدية، سارقين جهد الدولة ومتطاولين على مهمة الدوائر البلدية، ومكرسين فهما خاطا لمهمة النائب وكأنه مختص بالجانب الخدمي في نطاق منطقته، بدلا من ان يكون ممثلا للشعب العراقي برمته، وتتركز مهمته الأساسية على تشريع القوانين ومراقبة الأداء الحكومي وإقرار الموازنة العامة.
وكشفت الحملات الانتخابية زيف التصريحات الممجوجة التي صَدّع المتنفذون بها رؤس الناس بادعائاتهم الكاذبة التمسك بموضوعة المواطنة. فالصراع على مقاعد مجلس النواب اظهر بواطن تفكيرهم وعرّى نواياهم، وفضح مآربهم في تأبيد الطائفية السياسية في السلطة. وبرهن هذا كله مرة أخرى على ان لا رجاء يمكن انتظاره من طغمة الحكم وممن تتركز أفعالهم على الفرقة والانقسام، خدمة لمصالحهم الخاصة وما يمثلون، غير مكترثين بأحوال المواطنين ومعيشتهم، وغير مبالين بتطلعات الشعب الى الامن والسلام والعيش الكريم.
واسع هو البون بين خطاب انتفاضة تشرين ٢٠١٩ الذي صاغته عقول وطنية ديمقراطية نيره، وغردت به حناجر المنتفضين، وهو الخطاب الواضح الذي يعلي قيم المواطنة والتعايش المشترك والعدالة الاجتماعية، والهادف الى إعادة بناء النظام على وفق المواطنة المتساوية في وطن امن ومستقر، والمجسد لكرامة الشعب، وخطاب حملات المرشحين لانتخابات العاشر من تشرين الاول ٢٠٢١، الملغوم بالمناطقية والطائفية وضيق الأفق الحزبوي، والهادف لتكريس الولاء للزعماء المتنفذين، الذين لا هم لهم سوى السلطة التي تؤمن لهم مال الفساد والنفوذ والامتيازات.
واذا سلمنا ببديهة مفادها ان لا ديمقراطية بدون ديمقراطيين، ولا يمكن تصور بناء نظام ديمقراطي بأيادي من ينهل من الفكر الاستبدادي التسلطي، فان بامكاننا القول بعدم امكان أحلال المواطنة كوحدة في بناء أسس النظام السياسي بدلا من نظام المكونات، الا على ايادي قوى وطنية حقة، لم تتلوث بالفكر الطائفي الانعزالي.