لم تسلم نتائج الانتخابات الحالية من التشكيك، مثلما حدث لسابقاتها. فبالرغم من اشادة القوى المتنافسة بيوم الاقتراع، وبينها إشادات لزعماء القوى المتنفذة بسير عملية التصويت، سرعان ما تراجع الخاسرون منهم، وأصدروا بيانات تطعن بالنتائج الأولية التي أعلنتها المفوضية الاثنين الماضي ١١/١٠/٢٠٢١، وترفضها بشدة، وتؤكد عدم قبولهم او اعترافهم بها. وجاء ذلك بلغة تصعيدية خطيرة وغير مألوفة، أسهمت في توتير الوضع السياسي، وزادتها القرارات القاطعة التي تسربت من الاجتماع المنعقد مساء اليوم نفسه ١١/١٠/٢٠٢١ في منزل السيد نوري المالكي، وامتد الى فجر اليوم التالي.
وقد ارتفعت درجات شك الخاسرين وارتيابهم بحدوث تلاعب في نتائج الانتخابات، بعد ان أعلن عدد من المرشحين رفضهم لنتائج الانتخابات، ولجوء بعضهم الى الاحتجاج والتهديد. ذلك انهم استغربوا من عدد الأصوات التي حصلوا عليها بعد اعلان نتائج الاولية، وهي اقل حسب قولهم من حاصل جمع أصواتهم بالمحطات الانتخابية التي أحصوها من خلال الأشرطة، التي وزعت على وكلائهم بعد اغلاق صناديق الاقتراع. وهذا ما عزز من حجج المعترضين على النتائج.
وما زاد الطين بلة، كما يقال، هو نتائج العد والفرز اليدويين لـ ٨٥٤٧ محطة انتخابية، والتي أحدثت تغيرا في١٠ مقاعد! وهناك ٣٦٨١ محطة اخرى بانتظار العد اليدوي أيضا، وربما ستغير النتائج بدورها. وقد تكون الارتباكات في حساب الأرقام وفي إعلان النتائج من دون تدقيق كاف، حجة اضافية للخاسرين، ما يصعّب قبولهم بالخسارة التي لم يتوقعوها، بعد ان اتسمت حملاتهم الانتخابية بالتفاؤل المفرط.
هناك أسئلة رقمية عديدة تبحث عن إجابات وتفسير منطقي من المفوضية، منها وجود فرق كبير في الأرقام بين عدد المقترعين التي أعلنته المفوضية وهو (٩،٠٧٧،٧٧٩) ناخب، وبين عدد الأصوات التي حصل عليها جميع المرشحين والبالغ (٦،٩٤٧،٦٣٩) صوتا فقط، اذ يتضح ان هناك فرقا كبيرا هو (٢،١٣٠،١٤٠) صوتا. وإذا طرحنا منه عدد الاصوات الباطلة، والبالغة (٤٤٩،٢١١)، يكون السؤال الحسابي عن الرقم (١،٦٨٠،٩٢٩)، قائما ويتطلب تفسيرا شافيا! ففي ضوء توضيح امر هذا الرقم يمكن ان تتحرك كراسي عديدة!
وليست هذه الأرقام وحدها التي سببت إشكالية تحتاج الى تفسير وتوضيح دقيقين، انما السؤال يبقى مفتوحا حول حساب نسبة المشاركة. حيث إرادت المفوضية ان تحسبها وفق معادلة عدد المقترعين نسبة الى مستلمي البطاقة البارومترية. وقد اعترضت على ذلك بعثة الأمم المتحدة، نظرا لمخالفته المعايير الدولية والدستور العراقي وقانون الانتخابات. لكن المفوضية اعتمدت رقما مبهما هو (٢٢١١٦٣٦٨)، وقسمته على عدد المقترعين البالغ (٩٠٧٧٧٧٩) لتعلن نسبة ملتبسة هي (٤١بالمئة)، وهي قطعا نسبة غير دقيقة. وقد سبق للمفوضية ان أعلنت في احد بياناتها، ان عدد المقترعين الكلي هو (٢٥١٨٢٥٩٤)، وعند اجراء المعادلة الحسابية باعتماد هذا الرقم تكون النسبة ٣٦بالمئة.
وبعودة سريعة الى الأرقام: اذا كانت هناك بوادر ازمة جراء عدم قبول النتائج من قبل كبار الخاسرين، وما قد يترتب على ذلك من تداعيات سياسية وازمة تطال طبيعة تحالفات السلطة ومسألة تشكيل الحكومة، حيث ان عدد المقاعد بالنسبة اليهم، يعكس حجم حصة كل منهم في المحاصصة. واذا كانت هذه النتائج تعكس صراع المتنفذين على السلطة، فان في المقابل الحجم الذي شكلته المقاطعة التي بلغت نسبتها ٦٤ بالمئة، وهي نسبة كبيرة جدا لها ابعاد سياسية والاجتماعية وثقافية، وتصعب الإحاطة بها سريعا، لكن اثارها المتوقعة ستعلب دورا مهما في زيادة مساحة المعارضة لنهج المحاصصة والفساد المستشري في سلطات الدولة ومؤسساتها.