مهما تعددت الأسباب وتناسلت المبررات، لا يمكن لأي بلد ينشد الاستقرار وعيش أفراده بسلام وتقارب مجتمعي منشود، والأسلحة المتناثرة في كل مكان ولا يعرف المسؤولون كيفية الإمساك بها وحصرها لتكون البلاد منزوعة السلاح وحصره بيد الدولة تحديدا والقوات الأمنية والجيش والمسؤولون عن حماية البلاد والعباد، ومن غير المنطقي أن يظل السلاح مباح لأيٍ كان وبيد من لا يقدّر خطورته وانفلاته بحيث يكون متاحا لزيد أو عمرو ولا من رادع أو محاسبة أو محاولات انتزاعه ولو بالقوة من الجميع دون استثناء، ولا توجد دولة تحترم نفسها وتسعى لبسط الأمن لتتيح العيش لمواطنيها بسلام وأمان وهي تعطّل مجسّاتها إزاء ما يحدث من تجاوزات خطيرة تهدد حياة المواطن وتضع البلاد على سكة الخراب وعلى يد من لا يحترم القوانين وحياة البشر الأبرياء.
إن خضوع الأسلحة للمزاج الشخصي ليكون متاحا لكل من هبّ ودبْ، سواء كانوا أفرادا أو مليشيات، ويتم استعماله لأتفه الأسباب، هو أمر خطير يهدد السلم الأهلي في أي وقت، وهذا ما يحدث في العراق وبشكل يومي ودون رادع وصرامة في إيقاف هذه المهزلة والتي دون شك هي تحدٍ حقيقي للدولة ومؤسساتها كافة، سيما الأمنية منها، والمكونة من جيش وشرطة وأجهزة أمن متعددة، لأنه يحط ّمن سمعة القائمين على إدارة البلاد وتسيير أمور العباد، سيما إذا تيقّن الجهلة وأنصاف الأميين من حملة هذه الأسلحة بأن الدولة تغض الطرف عنهم، ولا نعرف الأسباب الحقيقية لهذا الصمت وعدم اتخاذ الإجراءات لإيقاف هذه المهزلة ووضع حد لها، حتى بلغت الوقاحة درجة لا يمكن تغافلها أو السماح بها، لأنها تشكّل مصدر خطر دائم يجعل الأمن المجتمعي تحت كف عفريت.
ويبقى السؤال المحير الذي يشغل بال العراقيين المبتلين بفوضى ما يجرى من أحداث تتحكم فيها لغة السلاح ولعلعة الرصاص اليومي، ليذهب أبرياء ومن شتى الأعمار من العراقيين ضحايا لهذه المهازل الكارثية.
هل من المعقول أن سلطة تحتكم على أعداد هائلة من المنتسبين بشتى صنوفهم وهم مدججون بشتى أنواع الأسلحة وموحدون تحت إمرة مسؤول يقود البلاد ويدّعي أنه حامي الأمن وسلطة القانون، ورئيس دولة هو الحامي للدستور، والوضع الأمني بيد أطراف بعيدين كل البعد عن سلطة القرار المركزية، بل ويتحدّون بشكل سافر ووقح رأس السلطة وبقية تشكيلاتها، بأنهم سيقطعون آذان فلان ويدوسون بأحذيتهم صور علّان، الذي يمثل هيبة الدولة.
أن الوضع الأمني الذي يمر به العراق لا يمكن وصف بلاويه ويعجز الجميع عن فهم ما يجري، والبلاد تحملها سفينة تتعرض لأمواج عاتية لا يعرف الناس الى أين تتجه بهم وهم يقينا الهالكون عاجلا أم آجلا إذا ما بقي الصمت سيدا لهذه المهازل.
دعونا ألا نبتعد بالأحداث كثيرا ونتحدث عن راهن ما يجري الآن، وهو ما يتعلق بالانتخابات وتبعاتها التي تضع البلاد على بركان مدمر بسبب عنجهية فصائل ومليشيات لا تحترم القوانين التي ساهمت هي بسنها في البرلمان الذي تستحوذ على سلطة اتخاذ التشريعات فيه لتنقلب عليه بسلوكات غريبة وعجيبة، وهم بذات الوقت يدافعون نفاقا عن الديمقراطية ومسيرة الوضع السياسي القائم، لنكتشف أن هذا الادّعاء مجرد ذر الرماد في العيون، لتصبح البلاد وقراراتها تخضع لأمزجتهم ومصالحهم وأهوائهم، للاحتفاظ بمسلسل الامتيازات والاستحواذ على المناصب بنظام محاصصة فصلّوه هم بأنفسهم ولأجل مصالحهم الضيقة والتي جلبت الخراب للبلاد والعباد منذ العام 2003 وحتى الآن، ليستمر مسلسل الخراب منذ عهد حزب البعث الصدامي الفاشي الى حاضرنا المزري، في سعيهم بشتى الوسائل، حتى وإن استخدموا السلاح عبر فصائلهم ومليشياتهم للإبقاء على ذات المنافع التي أفلست خزينة البلاد وأفقرت العباد في وطن يعد الأغنى في العالم، ليتحول المواطن العراقي هو الأفقر قياسا لمواطني بلدان تعيش تحت خط الفقر.
لم نجد ولم نلحظ تحرك الضمائر في دواخل ساسة العراق النفعيين وهم يقفون على مسلسل الخراب، بل والأمّر من ذلك أن معظمهم قد اعترف بعظمة لسانه بأنه أو بأنهم جميعا لم يعودوا صالحين لقيادة البلاد، وينبغي أن يتركوا المجال لمن يصحح المسار.
لكننا نفاجأ بين ليلة وضحاها، بأنهم كانوا مجرد آفّاقين ومرائين ويقولون ما لا يفعلون، فيا لخيبىة العراقيين ومأساتهم وهم يعيشون بين حانة ومانة ولا يعرفون كيفية الخروج من هذه المحنة، برغم الزلزال المدمّر الذي قض مضاجع ساسة المحاصصة من خلال ثورة تشرين المباركة وما قدمته من تضحيات بالمئات لشباب بأعمار الزهور وهي تطالب بإرجاع وطنهم المسروق والمنهوب، بالإضافة الى عشرات الآلاف من الجرحى والمعطوبين، وما زال وهج الثورة قائما ويمكن أن ينفجر بركانه في أي وقت، ومع ذلك فأن ساسة الفساد قد أغلقوا مجسّاتهم ولم يبالوا بمصدر الخطر الذي يهددهم في أية لحظة، سيما بعد أن سلّحوا مرتزقة وذيولا وأغدقوهم بأموال الشعب العراقي المنهوبة، دون أن يستوعبوا مكامن الخطر القادم الذي يقينا سيكنسهم عاجلا أم آجلا، ويبدو أنهم لا يتّعظون من الدروس والعبر التي ساقت من سبقوهم الى منصة الإعدام غير مأسوف عليهم.
ما زال الوضع الأمني مرتبكا وغير مستقر، وما زالت تهديدات السلاح المنفلت وغير المنفلت تتربص بأمن المواطن واستقرار الوطن، ولا ندري من يوقف هذه المهازل التي باتت مصدر سخرية في العالم، مواطنين ودولا، سيما العربية منها، والانحياز للقوى الأجنبية، مجاورة كانت أم بعيدة عنه، الدول التي لم ولن تريد الخير والاستقرار للعراق ولا لشعبه الذي ذاق الأمرّين عبر عقود من المحن والويلات ومسلسل الخراب الذي ما فتئ يتواصل بشكل أفدح وأكثر خطورة ولا من سبيل للخروج من عنق الزجاجة التي حشر الخائنون والمرتزقة العراق فيه.
وها هي الفوضى التي باتت مصدر تهديد للوضع في العراق بسبب نتائج الانتخابات المخيبة لآمال الفاسدين، بعد أن تلقوا الصفعات التي لم يتوقعونها مطلقا عبر صناديق الإنتخابات، رغم ضعف الإقبال للناخبين لعدم ثقتهم بنزاهة النتائج، أما إذا كان الإقبال كبيرا لكانت النتائج زلزالا يزيح فرسان الخراب ويكنسهم بشكل لا يقبل الشك، ونحن نقف على النتائج التي أبهرت العديد من العراقيين والعالم والتراجع الكبير الذي شمل قوى سياسية اسلاموية، كانت تراهن على عزوف المواطنين، لعدم ثقتهم بنزاهة المفوضية، ومع ذلك حصد بعض التشرينيين مقاعد لا يستهان بها ليشكّلوا صفعة قوية للفاسدين الذين فاجأتهم النتائج المخيبة لآمالهم.
مما دفعهم وبشكل متوقع من لدن من يعرف طبيعتهم وميولهم ومعاداتهم أصلا للديمقراطية وعدم اعترافهم بنتائج صناديق الاقتراع، الى احداث الفوضى وتسخير ذيولهم للتحرك بشكل ينم عن جهلهم وتخلفهم وعدم قناعتهم بشيء أسمه الديمقراطية والانتقال السلمي للسلطة.
كل ما جرى ويجري كان متوقعا كسلوك للمتدين السياسي الذي لا يعترف، لا بوطن ولا بديمقراطية ولا حرية وكرامة المواطن ولا بالسعي لإخراج البلد من كوارثه عبر قيام دولة مدنية ديمقراطية توفر العدالة الاجتماعية في العيش الكريم وحرية المواطن واحترام قناعاته واختياراته، ليتحقق الانتقال المتحضر في مجتمع عانى ما عاناه من تسلّط الفكر الشمولي المتحكم بمصائر الناس وحرية وجودهم الحر والبعيد عن مؤثرات السلطة القمعية.
كل ذلك بات معروفا ومكشوفا للجميع بعد أن بيّنت الأحداث منذ التغير عام 2003 حتى اللحظة، السلوكات المرائية والمنافقة والكذب عبر وسائل اعلام أحزاب الإسلام السياسي المدفوع بأموال النهب العراقي وافقار البلاد والدعم الذي تتلقاه من دول تناصب العداء لأي تحرك من شأنه أن يحقق النقلة النوعية للعراق والعراقيين المظلومين.
والأهم من كل ذلك أن الشعب العراقي كشف ألاعيبهم وحيلهم وتوظيفهم المنافق للإسلام في تمرير مخططاتهم الشيطانية في تحقيق مآربهم وامتيازاتهم ومنافعهم الخسيسة على حساب تجويع العراقيين وبث الفساد وغياب العدالة الاجتماعية.
إن هذه المخلوقات قد فاقت شياطين الكون في ألاعيبها ودسائسها ونذالة أفعالهاـ ولم يتبق للعراقيين المتضررين من وجود هذه الآفات الضارة، إلا التوحد والوقوف صفا متراصّا بوجه هذه القوى الصفراء المدمرة، عبر الوسائل السلمية المتاحة وتنقية المستنقع العراقي محليا، عربيا، ودوليا، لمحاصرة هذه الفلول الخائبة، وهذا هو المخرج الوحيد لإنقاذ العراق والعراقيين من هذه الفايروسات القاتلة والتي فاقت فايروس كورونا ومخاطره بكل تحويراته.
ولقد أعيانا الكلام عن هكذا حلول أيها العراقيون الأحرار وما عليكم إلا لملمة صفوفكم بقوة ووحدة وطنية رافضة للطائفية والمحاصصة اللعينتين ومسلسل الفساد القذر، إذا ما أردتم الخلاص التام لكم ولأولادكم وأحفادكم والأجيال القادمة، وأهم من كل شيء، الحفاظ على وحدة العراق وأراضيه وشعبه المظلوم.