أبلغ صور نشرت عن احتجاجات طلبة جامعة السليمانية تأثيراً في النفوس هي صورة أحد الطلبة المحتجين، وهو يلوح بيده اليمنى بورقتين من العملة العراقية؛ الأولى من فئة خمسة آلاف دينار، والأخرى ألف دينار فقط. أراد هذا الطالب ان يقول إن الستة آلاف دينار، هي كل ما املك! وانا شاب تلزمني احتياجات كثيرة، ليس آخرها ملازم الدراسة واجور النقل ورصيد الانترنيت الضروري للدراسة والتواصل.
لا يسد احتياجات هذا الشاب منظر القصور الفارهة في الاحياء المترفة التي يسكنها أصحاب السلطة وحياتهم الباذخة. لا تريح ناظريه السيارات الحديثة، وهي تجوب الشوارع. لا تسد حاجة هذا الشاب وغيره من الشباب المحرومين، انتشار المتاجر الكبيرة (المولات) في المدينة، بل انها تزيد سخطهم، وترفع من درجة توترهم؛ اذ تحتوي على كل ما يتمنونه ويحتاجون اليه، لكن لا قدرة لهم على شراء ابسط احتياجاتهم وأكثرها ضرورة.
يُخطئ من يختزل عوامل اندلاع احتجاجات الطلبة بمطلب منحة النقل التي قطعت عنهم منذ بداية العام 2014. نعم، المطالبة بهذا المبلغ الزهيد هو أحد فواعل اندلاع الاحتجاجات، وليس كل محركاتها.
الفجوة الاجتماعية التي تتسع يوماً بعد آخر، هي ما دفع الطلبة للاحتجاج؛ حيث القصور الفارهة التي يقطنها تجار صفقات الفساد وتنعمهم بترف المعيشة المخملية، والحياة الباذخة لكبار المتنفذين. في مقابل ذلك تعيش قطاعات شعبية واسعة على هامش الحياة حيث الحاجة، والفاقة، والحرمان والعوز.
يُخطئ من يعزو سبب الاحتجاجات الى منحة النقل فقط، بل تكمن أسباب ذلك في التمايز في مستوى المعيشة، والفرق الهائل في مستويات الدخل، وسياسة التهميش المنهجية التي يتبعها أصحاب الثراء الفاحش، وإذلالهم للمهمشين وازدرائهم لمحدودي الدخل، الى جانب احتكار الوظيفة العامة للمتحزبين واتباع الأحزاب المتنفذة.
الخطأ الفادح الآخر يكمن في قراءة هذه الاحتجاجات وتحليلها بعيدا عن دراسة ظاهرة مقاطعة الانتخابات التي أشرّت عدم ثقة المقاطعين، الذين تجاوزت نسبتهم 65% من عموم الناخبين، بالعملية الانتخابية التي مهما كانت نتائجها، فإنها لا تغيّر من الواقع السياسي شيئاً، ولا تبدل من طبيعة المتحكمين بالوضع الاقتصادي، الذي ينعكس وبالاً على الأوضاع المعيشية والاجتماعية، الوضع المعيشي المتردي في ظل تضخم أموال المسؤولين وحلفائهم تجار الصفقات والمرابين من أصحاب المصارف الذين يتربحون بالمليارات من مزاد العملة، هو احد تجليات التناقض في مجتمع يزداد الانقسام الطبقي فيه باضطراد.
استمرار التظاهرات التي اندلعت في مدينة السليمانية يوم 21 تشرين الثاني 2021 ومشاركة شرائح اجتماعية أخرى، الى جانب الطلبة، دليل على أن عنوانها أوسع من مطالب طلابية محدودة الهدف، بل هي احتجاجات واعية لما وصلت اليه الأوضاع المعيشية لعامة الناس، وهي مؤشر على انه احتجاج هادف، ومندد بالسياسات الاقتصادية التي كرّستها وصفات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وانعكاساتها المأساوية على حياة المواطنين ومعيشتهم. هذه السياسات التي تخدم الأقلية المتنفذة.
الاحتجاجات الطلابية فضحت التفاوت الاجتماعي، وعرّت الفجوة المعيشية الشديدة، وهزت الصورة التي حاول المتنفذون تصديرها، بأن مدن كردستان تعيش الاستقرار والازدهار الاقتصادي والمعيشي..
الاحتجاجات هي رفض واعٍ للفجوة الاجتماعية الواسعة.. هي احتجاج على التفاوت الاجتماعي لصالح طبقة استأثرت بالسلطة والنفوذ على حساب ملايين المحرومين.